أعتقد لم يعد هناك شيئ مخفي الان، فالانقلاب العسكري الفاشل، والتصعيد في الشرق، والانفلات الامني، والضايقة المعيشية، وتعقيدات الاقتصاد، والاحتقان السياسي وغيرها من قضايا وأحداث ما هي الا تمظهرات لأزمة تدهور العلاقة بين المدنيين والعسكريين وإنعدام الثقة في بعضهما البعض، وكل الاحداث اللاحقة ستكون نتاج هذا الصراع اذا لم يتم حسمه إيجابا.
لقد وصف رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك الشراكة بين العسكريين والمدنيين بالنموذج السوداني وإحتفى به،، كما ظل رئيس مجلس السيادة الفريق الركن عبد الفتاح البرهان يردد دائما بأنهم مع الدولة المدنية وان مهمتهم تأمين الانتقال..
كل القضايا محل الصراع اليوم في حقيقتها يسهل حلها اذا ما عولجت القضية الرئيسية المتمثلة في بناء الثقة بين شركاء الانتقال..
تجريم مشاركة العسكريين في الحكم ومحاولة إبعادهم بصورة راديكالية هذا توجس أيدلوجي يضمر تحرك داخل العسكر،، وكذلك رفض العسكريين مشاركة المدنيين في اعادة هيكلة الاجهزة الامنية والعسكرية هذا تفكير انقلابي وتجاوز للوثيقة الدستورية..
هناك حقائق لا تقبل المزايدة في كل الدول الاستعانة بالمدنيين للمشاركة في الشؤون العسكرية أمر طبيعي، وهناك أدوار كثيرة في المجال العسكري ليسوا بالضرورة الأنسب للاضطلاع بها عساكر ، وكذلك الاستعانة بعسكريين في مواقع مدنية ليس بدعة وإنما واقع في كل دول العالم. بهذا المنطق فإن عملية هيكلة القطاع الامني والعسكري لا تقتصر على العسكريين وانما وجود المدنيين فيها مهم للغاية ويعطيها الزخم الديمقراطي ويؤمن إستقرار الجيش بعيدا من الاستغلال السياسي.
في المقابل كما هو معلوم بالضرورة أن للمدني وظيفة محددة ومعروفة ولن يعمل في وظيفة العسكري، والعكس صحيح، ولكن ترتيب قواعد اللعبة السياسية تهم العسكر كما تهم المدنيين وكل الشعب السوداني، وكذلك ضمان إزالة كافة أوجه التمكين في الجيش والحفاظ علي قومية الجيش واعادة الاعتبار له بعد تجريده من أدلجة النظام المباد هذا يهم المدنيين كما يهم العسكريين وكل الشعب السوداني وليس العسكريين لوحدهم.
إفتراض ان المدنيين غير مُلمّين بالشؤون العسكرية لذلك لا شأن لهم غير صحيح، واي مقاومة ضد هيكلة المؤسسات الامنية والعسكرية هروب من استحقاقات ثورة ديسمبر المجيدة والوثيقة الدستورية..
كما أن عملية ابعاد العسكريين من الحكم الانتقالي فيه تربص بالثورة والانتقال لان واجب تأمين الحكم من الفوضى والثورة المضادة مهمة وطنية ترتبط بقرارات دولة،، وهذه الشراكة الانتقالية نتاج نص دستوري وبالتاكيد الحكم المدني الديمقراطي لن يكون فيه تمثيل للمؤسسات العسكرية.
لقد أدرك الراحل الامام الصادق المهدي باكرا أهمية الشراكة وخطورة العلاقة لذلك إقترح ميثاق شرف للفترة الانتقالية يضبط هذه العلاقة ويقوي الشراكة، ولكن كما قال الشاعر:
نصَحْتُ لهم نُصْحي بمُنْعرج اللّوى * فلم يستبينوا الرّشد إلى ضحَى الغد.
ان إزالة التوترات بين الشركاء قضية في غاية الاهمية والتلاعب بها لعب النار التي قد تحرق الاخضر واليابس، والمتضرر منها الشعب السوداني والشركاء والمستفيد منها النظام المباد ومؤيدوه،
لذلك مخاطبة جوهر القضيةً وأساس الأزمة، ووضع الامور في نصابها وفق الوثيقة الدستورية هو الحل، واي محاولة لفرض الامر الواقع وحشد الازمات لن يعطي شرعية لطرف دون الاخر.. قديما قيل “مَن لَم يَهدِه قَليلُ الإِشارة لَم يَنفَعهُ كَثيرُ العِبارَة”.
محمد الامين عبد النبي