هناك تحالف بدأ يتبلور وينسق بصورة واضحة ودقيقة من أجل قطع الطريق أمام التحول المدني الديمقراطي، يتكون هذا التحالف من أربعة مكونات هي: قادة الفتن القبلية، العسكريين الانقلابيين، الكيزان، ولاعقي احذية الشمولية من الأحزاب والكيانات والنشطاء.
هذا التحالف لا يستهدف فقط الحكومة التنفيذية وقوى الحرية والتغيير وإنما يستهدف جميع الثوار وبصورة خاصة الثوار الشباب الذين أسقطوا النظام البائد ومثلوا ترسا عظيما أمام عودة الشمولية.
المكون الاول هم قادة الفتن القبلية، وهؤلاء هم ربائيب النظام البائد، سيطر نظام الانقاذ على قيادات القبائل وأسكتهم بأسلحة الترغيب والترهيب، أغدق العطايا على من يسبحون بحمده وأعد السجون والرصاص لمن عصوه، لم نسمع طيلة فترة النظام السابق عن شيخ قبيلة يجمع اهله ويتجرأ على إغلاق الطرق القومية والميناء والمطار، لانه يعلم أن نصيبه سيكون القتل بدم بارد، لذلك (يتشطر) هؤلاء على نظام الحريات الذي يقدس الروح البشرية ويحترم المواطنين ويسعى بكل السبل الممكنة لتفادي الصدام المكلف.
يمكن تبرير ارتفاع الولاء القبلي في الوقت الراهن لضعف التعليم في مناطق الفتن، وهذه من مخلفات النظام البائد، الذي عمل على تجهيل الناس، ورغم أن القيادات الأهلية يتصف بعضها بالحكمة ويسعى هذا النوع إلى فتح المدارس وتعليم اهله ورفع مستواهم التعليمي، الا ان بعض القيادات الأهلية لم يفتح الله عليها بعلم ولا حكمة، فأصبحوا عالة على قبائلهم وعلة على البلاد.
المكون الثاني للتحالف هم العسكريين الانقلابيين، يجب أن نفرق داخل الجيش السوداني بين المتنورين من قادة وجنود الجيش، والظلاميين، المتنورون يفهمون ان الجيش مهنة مثل سائر المهن داخل الدولة، هو ليس دولة داخلها ولا تنظيم مواز للحكومة، هؤلاء يعلمون أن الإنسان لا يولد عسكريا كما لا يولد طبيبا ولا مهندسا، وإنما يحدث كل هذا لاحقا في الحياة بعد المراحل الدراسية، فمن اختار طريق الجيش اصبح موظفا تحت الدولة باسم عسكري، ومن اختار الطب أصبح موظفا تحت الدولة باسم طبيب، وهكذا، جميعهم موظفون يأخذون نظير وظيفتهم هذه مرتبا من الدولة، وحين يصلون مرحلة معينة من العمر يحالون إلى المعاش. لذلك لا يفهم المتنورون من الجيش كيف ان بعض زملاءهم الظلاميين يتمردون على هذه الحقائق، ويجعلون العسكرية مهنة ليست كبقية المهن، يرفعونها لمقام أنها دولة قائمة بذاتها داخل الدولة، ويجعلون من (الجياشة) أوصياء على البلد، للدرجة التي توجب عليهم القيام بالانقلاب متى ما شعروا ان البلد ليست على ما يرام!! هذه هي طبيعة الصراع داخل القوات المسلحة وهي مشابهة لطبيعة الصراع داخل الأحزاب السياسية بين الأحزاب المتنورة المؤمنة بالعمل المدني الديمقراطي والأحزاب الظلامية التي لا تتردد عن الإطاحة بالأنظمة الديمقراطية.
المكون الثالث هم الكيزان، وهؤلاء غنيين عن التعريف، يجتهدون بكل ما امكنهم للسيطرة مجددا على السلطة، لهذا لن يتوانى كيانهم عن التحالف في الوقت الراهن مع بقية الانقلابين، وتوفير إمكانياته المالية والإعلامية لخدمتهم.
المكون الرابع هم بعض السياسيين والناشطين والتيارات الدينية التي تعودت الاكل من موائد النظام البائد، ولم تجد لها موطيء قدم بعد الثورة، فاوجعها فقدان الامتيازات وأصبحت تهيم هنا وهناك بحثا عن دكتاتور جديد يعتلي ظهرها نحو السلطة ويرمي لها الفتات.
تحالف هذه المكونات الأربعة يمثل العقبة الرئيسية في الوقت الراهن أمام التحول المدني الديمقراطي، ومواجهتهم ضريبة وطنية يجب أن يدفعها الثوار جميعا، مكونات التحالف لا تمثل تيارا جماهيريا عريضا مقارنة بالثوار المدنيين وشرفاء العسكريين، ولكنهم ملتزمين بفكرتهم غير منصرفين عنها وتمثل لهم محور حياتهم، لذلك لهم تأثير واستطاعوا ان يطيحوا بثلاث ثورات من قبل.
ثورة ديسمبر تمثل تهديدا حقيقيا لوجود التحالف الانقلابي، لأنها تضم لأول مرة في تاريخ الثورات قطاعات جماهيرية مهتمة وملتزمة بتطوير النظام السياسي وبناء الدولة المدنية، لهذا يكثر صراخ التحالف الانقلابي هذه الأيام، وكلما تطور العمل المدني نحو تثبيت اساس جماهيري راسخ لقيام دولة حكم القانون سيصرخون ويصرخون، لهذا يجب أن يواصل الثوار المشوار بعزم وحزم، فالعمل الثوري المدني هو وحده ما سيهزم هؤلاء ويفتح المستقبل لنهضة السودان.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com