فى تلك الليلة من العام 2007..
كان ( نادر بهلوان)، يمشى، فكأنما يتزلق على وسادة من الهواء .
يهمهم ويدندن، بهدوء وثقة، وهو يتحسس ربطة عنقه الحمراء، أتأمله من موقعي، فكأنه شخصية نجيب محفوظية
حلفنا نعيش لحاضرنا.
في تلك الليلة
ظل (عركى) يغنى لعركى، سلاماً، وورداً، و تحايا، ومراسيل شوق..
صاح (ياربنا)
أجبنا (يا قادر)
صدح
واحشنى
فذهب الخلق مناسك شتى.
هتف (بخاف)
نهضنا من ساعتنا، نسأل الناس، دون خوف، او استحياء، عن كل النساء اللواتى، تدثرنا بعشقهن، عدنا بزهو الحب، على أكفنا، وبيننا الأطفال، ابهى ما نكون جمالاً، وأشد ما نكون سطوعاً، هتفنا فقلنا، مافى الحقائق أكثر عاراً، من العشق الذى لا يورث الوجل ، ولا الشدو الذى يورث الملل، أنصتنا بكل حواسنا، إلى ألأغنية، خضراء، ما ذبلت، ولا آلت إلى حريق، تمددت في زمن، تقلب فيه الوطن، بين بزة عسكرية، واخرى، وبصدرينا يقول صلاح، آمالنا ورغائبنا، وأحلامنا المشتهاة، وحبائل سرية، بيننا والذين ولدوا فى اكناف الصدق، والذين وشموا بسمات انفاسنا، وملامح افراحنا، التى لم تأت على وعدها ، حتى تسكت اصداء، هزيم رعد غربتنا الممتدة، هفونا إلى بعض حمأ الهوى، ذلك الذى اكتوينا بناره ولهيبه، حتى تهاوينا،
قطعة قطعة
قطرة قطرة
زفرة زفرة.
وبين الفواصل
يحمد السُرى، والسعى بين المقاعد المتراصة المتحفزة، نختصر وجودنا في الفراغ، بينها وبين المساحة المحتقنة، بفراغ شحيح، وحتى ساعة اعتلائِه، لشريط ضيق على المسرح، دنيا تمتد عبرها أسلاك، وأشواق، وآلات موسيقية، ووشم صينى على الحائط الخلفى، ولغط أفواج الذين أتوا، من أقاصى المنافي، ليؤدوا فروض السمع والطرب، يقابلهم بابتسامة واضحة مشعة، مبتسرة، متشربة بأرق، وقلق، وحزن، وعاطفة، وفطنة، وشاعرية، ثم لايلبث يبادلهم، شوقاً بشوق، وأغنية بأغنية، يقف مسكوناً بصوفية الإيقاع، قال إبنى الأعجمي، يصف موسيقاه، بأقصى ما تأتى له خياله الغض،من مفردات
Damn..That’s groovy!!
فاستقام كتفاً لكتف، مع (آيك تيرنر)، (ستيفى ووندر)، و (موريس وايت).
فشعت فى خاطرى، كبارقة ضوء مقدس، مداخلة (الترومبيت) المحسوبة بمقدار، تخرج من رحم (نوبية)، و( لوكنت ناكر للهوى)، وتهويمات (تشايكوفسكى)، فى خضم سيل صداءات ( بستنشقك)، وحسها الحالم، وتواتر نقاط التقابل، فى أغنيات عذبة مثل، (فى عينيكى دنيا غريبة)، و(انتى نيل)، والتي ولدت من داخل (اضحكي )، والتأرجح الذى لا ينقطع عن نقاط ارتكازه، فى ( التوب)، و(يوم رحيلك) ثم ( ياصاحبة في الزمن الصعب).
ظل ( نادر بهلوان)، سابحاً فوق أثيره، منزلقاً فوق وسائده الهوائية، حتى أتت الأمسية إلى ختام، عاد أصبى من صباه، الذى تصرم خلال ثلاثين عاما، قضاها (فى شُعب الصقيع)، توهج ولازمته الإبتسامة، والسماحة، فاقتصد فى جمع الحزن، وكف يداه عن اللحاق به، وبذل بسخاء فرحه، على الذين من حوله!
هذا (عركى) بلحمه ودمه، يقف مغنياً، على مبعدة نصف ميل من شقته!!
شقته التى امتلأت بتسجيلات عركى، صور عركى ، وازدانت بأستار الولاء لعركى.
ما أسعد ( بهلوان) تلك الليلة.