اهم درس خرج به جميع المدنيين الذين شاركوا في ثورة ديسمبر المجيدة من سيناريو الانقلاب الاخير هو ان حلم المدنية الذي ضحوا جميعا من أجله يمكن أن يتبخر بسهولة اذا تراجعوا او استسلموا او استكانوا للفرقة واليأس والإحباط، جميعهم علموا أن تراجعهم عن الدفاع عن المدنية مهما كانت المبررات، نتيجته واحدة فقط وهو ضياع هذا الحلم، وعودتهم جميعا مرة أخرى لسجون الشموليات والدكتاتورية.
هذه الحقيقة وحدت الثوار المدنيين على اختلافهم، وأكثر ما أعاد توحيدهم هو ما ظهر من قيادة الجيش والدعم السريع والتي بدل ان تهاجم الانقلاب العسكري الاخير هاجمت المكون المدني وأعطت ايحاءا صريحا بأن الانقلاب العسكري كان مبررا!!! في عرف المناضلين من أجل الحرية والديمقراطية لا يوجد أبدا مبررا كافيا للقيام بالانقلاب على حكومة ديمقراطية او حكومة انتقال مدني، لذلك مهما اختلف السياسيون المدنيين والمناضلون من أجل الحرية لا يمكن أن يصلوا لمرحلة ان يدعموا انقلابا عسكريا، لذلك يمكنك الآن بسهولة تمييز الديمقراطيين من الشموليين من مواقفهم تجاه الانقلاب الفاشل.
بعد سيناريو الانقلاب الفاشل شعر جميع الثوار المؤمنين بالمدنية بالخطر، شعروا بأن التقدم المحرز في مجال الحريات والمدنية يتعرض للانهيار وأصبح قاب قوس او ادنى من الضياع، فتسآلوا بينهم ماذا لو نجح هذا الانقلاب؟ ماذا لو عدنا مجددا بعد كل هذا الطريق القاسي من التضحيات لنقطة البداية؟ كم سيخسر السودان وشعب السودان من الدماء والسنين العجاف والسجون؟ شعروا جميعا بأن هذا لا يمكن أن يحدث إلا على جثثهم، فهبوا جميعا من أجل حماية الانتقال.
لم يهبوا من أجل حماية كرسي محمد الفكي، وإنما من أجل حماية التحول الديمقراطي، فمحمد الفكي ذاهب والديمقراطية باقية وراسخة، هم يعلمون ان في العهد الديمقراطي يمكن لأي مواطن أن يصل لكرسي محمد الفكي، فالكرسي في الديمقراطية بيد الشعب يعطيه من يشاء بالانتخابات، لذلك لا يعلم احد في الدول الديمقراطية من هو رئيس البلاد القادم، ولا من هو حاكم الاقليم القادم، فالشعب هو من بيده اختيار الحكام، والشعب لا يعطي الحكم الا لمن يستحقه، وهذا يخضع لأشياء متعددة يراقبها الشعب في المتقدمين للانتخابات، حيث لا يمكن أن ينتخب الشعب فاسد او قاتل، لأجل هذا يدافع الجميع عن حكم الشعب وعن الديمقراطية لأنها تمثل ترياقا مانعا للفاسدين والانتهازيين والمتسلقين.
يستخدم الانقلابيون الفتن القبلية في الشرق كمخلب قط، ولكن أهل الشرق لو تمعنوا فيما يقومون به، فسيجدون ان ممارستهم لفعل الاحتجاج بهذه الصورة الآمنة هي احدي مكاسب الانتقالية، وان العمل على إسقاط الانتقالية وإعادة الانقلابات لن يحرم الآخرين فقط من الحريات وإنما سيحرم أهل الشرق أنفسهم من نوعية هذا الاحتجاج الامن الذي يمارسون فيه طقوسهم ومطالبهم بكل أريحية وكأنهم في احتفال، هذا الانتقال المليء بالحريات صنعه الشعب جميعا بتضحياته، من اقصى الغرب الى اقصى الشرق ومن اقصى الشمال الى اقصى الجنوب، وعلى الجميع المحافظة عليه لا اهداره، ففي أهداره خسارة الجميع وأولهم انسان الشرق.
قرأت بيانات متعددة لكيانات واحزاب الثوار داخل الحكومة وخارجها حول الانقلاب الاخير وجميعهم متفقون على أن الدفاع عن الانتقال الديمقراطي واجب ثوري ووطني، وأنه واجب منفصل تماما عن الحكومة سواء جيدة كانت ام سيئة، فالحكومة ذاهبة والانتقال مستمر، واذا استمر الانتقال ووصل الى الديمقراطية فسوف تأتي حكومات وحكومات وحكومات، وسيتم تصحيح الأخطاء مرة واثنين وثلاثة حتى تختفي، وسينال كل مواطن وكل حزب وكل كيان حقه في المشاركة السياسية وفي التنمية والحرية ولن يظلمه احد، فهذه هي الديمقراطية التي استشهد من أجلها عبدالعظيم ورفاقه وهذه هي مبادئها، وفي سبيل ذلك فليتنافس المتنافسون.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com