انفض مساء يوم السبت، ٢ سبتمبر ٢٠٢١،حشد قاعة الصداقة،” عرس الانتحال ومهرجان الاختطاف” ، الذي جسد أعلى مرحلة من مراحل التآمر على الانتقالية، التي اتخذت شكل محاولة اختطاف تحالف قوى الحرية والتغيير، وانتحاله، من فسيفساء مكونات سياسية واجتماعية، لاعلاقة لها بالحرية والتغيير، على رأسها الجبهة الثورية، التي خرجت من نداء السودان ومن الحرية والتغيير، لتنضم لمفاوضات جوبا، وتصبح شريكا في الحكم، في مستويات متعددة، وتوظيف هذه المكونات، كحاضنة،وغطاء لانقلاب عسكري وشيك، حسب ما يتردد في أوساط القوى السياسية. فوفقا للدكتور ناجي الأصم، احد القيادات التاريخية للتحالف، والتجمع المهنيين، فان” الحرية والتغيير معروفة ومعرّفة وجميع مكوناتها التحالفية من تجمع المهنيين ونداء السودان وقوى الإجماع والتجمع الاتحادي والقوى المدنية، موجودة بهياكلها الجديدة، كما أن قادتها الذين تفاوضوا مع المجلس العسكري حول الوثيقة الدستورية موجودون”، ووصف الأصم مخططات الاختطاف والانتقال، قيد التنفيذ، بأنها” محاولة تشويش بائسة لا تستحق حتى عناء الحديث عنها.”
غير أن هذا التطور، الذي غاب عن شهوده رعاته، وممثلو المكون العسكري، والسلك الدبلوماسي، وافتقر- إلى حد بعيد- للرعاية الرسمية، الداخلية، مما أضفى عليه بؤسا زائدا، ليس معزولا عما سبقه من إرهاصات. ممثلة في اعلان الكشف عن محاولة انقلابية فاشلة، واستغلال الفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، ونائبه، الفريق محمد حمدان دقلو-حميدتي، المناسبة، للهجوم على المكون المدني، للسلطة الانتقالية، والذي استمر لأكثر من يوم وفي أكثر من مناسبة، فيما يشبه دفاعا مبيتا عن المحاولة الانقلابية الفاشلة، والنهج الانقلابي، في عمومه، توطئة لاختلاق حاضنة جديدة. وتوج ذلك بافتضاح مخطط اقحام مجلس السيادة، واستغلال اسمه، في عملية اختطاف نوعية، في الحشد الديبلوماسي، للمناسبة، التي جرت بقاعة الصداقة، نهار السبت، ٢ سبتمبر، باسم وحدة قوى الحرية والتغيير، لكن في غياب البرهان ونائبه، وبدون حضور دبلوماسي، بعد انكشاف فضيحة مكاتبات مجلس السيادة للخارجية، حول الموضوع، بما انطوت عليه من مخالفات وتجاوزات.
ويبدو أن الرد الشعبي، يوم الخميس٣٠ سبتمبر، على المحاولة الانقلابية الفاشلة وتداعياتها، وما رافقه من استجابات خارجية، لم يمنع قوى الردة، كليا، من المضي في مخططاتها، وان ادي الي تحجيمها، وتقليصها من الرد شارعا بشارع، إلى اختيار التحشد في قاعة الصداقة، ما ساهم في تعزيز الفرز الاستراتيجي، ورسم الحدود الفاصلة، بين خندق قوى الثورة من جهة، وخندق الفلول وشركائه، من الجهة الأخرى. هذا التناقض، وما يستتبعه من صراع سياسي واجتماعي بين طرفيه، سيشكل، في مقبل الايام، أهم معالم الساحة السياسية. غير أن قوى الردة لن تكتفي بآليات الصراع السياسي، السلمي، والديموقراطي والجماهير، وإنما ستعمد إلى إغراق الساحة بأشكال من العنف الممنهج، مثلما تستخدم اذرعها داخل أجهزة الدولة لعرقلة استكمال مطالب الجماهير، بالإسراع في تكوين المجلس التشريعي، والمحكمة الدستورية، والمفوضيات، وتفكيك التمكين، ومحاربة الفساد، واستكمال ملف العدالة والسلام… الخ، إلى جانب العمل على تسريع تفاقم الأزمة في شقيها، الأمني والاقتصادي.
ليس من المتوقع أن يكون لمخرجات حشد قاعة الصداقة، الذي ضم قوى معزولة، اصلا، وليس لها علاقة بالحرية والتغيير، مع تواضعه، حيث لم تتعد الكشف عن نوايا قوى الردة، إي تأثير ملموس، في المدى القريب على الواقع السياسي الراهن، على الرغم من أنه وفر غطاء لنشاط علني لقوى النظام المقبور، برعاية بعض أعضاء المكون العسكري. وستكون مهمة حصول هذه الحاضنة البديلة على الشرعية، مهمة مستحيلة،يحيطها الرفض الشعبي من كل الجهات.فتغيير الحاضنة السياسية، بحاجة لانقلاب عسكري، يلغي الوثيقة الدستورية، بجانب كافة الاتفاقات مع تحالف قوى الحرية والتغيير التي أسست الشراكة في الحكم الانتقالي، ومؤسساته.
فتحالف قوى الحرية والتغيير يستمد مشروعيته من الوثيقة الدستورية، وباعتباره، الطرف الثاني، في الشراكة التي تؤسسها مع ألمكون العسكري، لإدارة المرحلة الانتقالية إلى حين قيام الانتخابات، في نهايتها.
وعلى ذلك تنهض أهمية التمسك بالوثيقة الدستورية، كمرجع ومصدر للشرعية، مع تعديلها، وفق أحكامها، لسد ثغراتها، أن وجدت، وبالشراكة، التي تتاسس عليها، وتقويمها، وتصحيح مسارها، وبوحدة قوى الثورة في إطار تحالف قوى الحرية والتغيير، ومعالجة أخطائه، بروح النقد والنقد الذاتي. هذه الأقانيم الثلاثة، التي تتأكد أهميتها الان، وفي كل أن، هي أهم أسلحة المرحلة في مواجهة قوى الردة.
أن مشروع الانقلاب، الذي تسعى الحاضنة المصطنعة لتشكيل غطاء له، وان توافرت بعض شروطه الداخلية، يحتاج إلى حاضنة إقليمية، والي تغيير ملموس في المناخ الدولي، الذي لازال يرسل إشاراته بدعم الانتقال الديموقراطي والحكم المدني، والتحذير من الإنقلابات العسكرية والارتداد إلى الحكم الشمولي.
وفي ظل المناخ السياسي السائد، في الداخل والخارج، فإن أي انقلاب سيواجه، منذ اليوم الأول، بمعارضة واسعة، داخلية وخارجية، وبجماهير متحفزة، ومعبأة للنزال، الأمر الذي سيضاعف من الأزمة التي تعيشها البلاد، ويجرد الانقلاب من أي ادعاءات بالخلاص أو الإنقاذ أو التصحيح…