رغم غياب الإحصائيات الدقيقة, إلا أن مجموع التحويلات من المهاجرين والعاملين في الخارج بعد توحيد سعر الصرف للجنيه السوداني, وبدء البنوك في تلقي التحويلات قد بلغت 1.5 مليار دولار في ثلاثة أشهر وبحساب ذلك كمؤشر, فإن حجم التحويلات لا يقل عن ستة مليارات دولار في العام, وبذلك يمكن القول إن التحويلات تسد 60% من جملة مصادر النقد الأجنبي في السودان، ولكن ربما يحدث العكس أي انخفاض في التحويلات بسبب انكماش الاقتصاد العالمي.
محاولات مستمرة
وخلال السنوات الماضية، لم تنجح المحاولات الرسمية للحكومة في جذب مدخرات المغتربين وتحويلاتهم رغم الحوافز التي قدّمها بنك السودان المركزي وتمثلت في استلام المغترب تحاويله في المصارف المحلية بالعملة التي حولت بها واقرار سياسة الحافز للمغتربين، ويشكو المغتربون من فرض الحكومة التزامات مالية مباشرة كرسوم تأشيرة الخروج ومتأخرات المساهمة الوطنية ورسوم خدمات الزكاة والضرائب.
وفقاً لإحصائية جهاز شؤون العاملين بالخارج, فإن عدد السودانيين المسجلين رسمياً في الخارج تقدر بحوالي 5 ملايين سوداني بدول العالم، إلا أن إحصاءً غير رسمي يرى أن اعدادهم تفوق الـ10 ملايين سوداني بالخارج.
حل أزمة النقد الأجنبي
وترى الحكومة في تحويلات المغتربين حلاً لبعض المشكلات باعتبار أن عجز النقد الأجنبي المطلوب لاستيراد الحاجيات الضرورية يقدر 10 مليارات دولار سنويا وقد ظلت الحكومة سنوياً تصدر قائمة من التشجيعات لتجذب بها التحويلات إلى الطريق القويم عبر منافذ البنوك لتدخل إلى المنظومة المصرفية, إلا أن كل الطعون التي كانت تقدمها الحكومة كانت تجد ما يفسدها ليظل الحال كما هو, سيما وإن الحكومة تريد من المغتربين تحويل أموالهم بالعُملات الصعبة عبر البنوك ليتم استلامها عبر ذويهم في السودان، لكن البنوك تحسب لهم العُملات الصعبة بسعر بنك السودان قبل تحرير سعر الصرف، وربما ذلك ما دفع الأمين العام لجهاز السودانيين العاملين بالخارج السابق حاج ماجد سوار، لأن يقول: “لا يوجد شخص عاقل في ظل هذا التفاوت يحول بالنظام المصرفي، فقد اقر الرجل بوجود إشكالات كبيرة تواجه تحويلات المغتربين، وعزا ذلك لاتساع الفجوة بين سعري الصرف الرسمي والموازي التي تصل لـ60% وطالب بضرورة وضع سياسات وحوافز تشجع المغتربين على التحويل بالنظام المصرفي.
روشتة وتحليل
يقول الاقتصادي د. محمد الناير إن غالب تحويلات المغتربين ستعود الى مراحلها الطبيعية بعد انتهاء جائحة كورونا رغم ان تحويلات مغتربي السودان لم ترقى لمستوى جديد بعد الإصلاحات الحكومية الأخيرة فيما يتعلق بسعر الصرف، ومع ذلك فإن اغلب التحويلات تصرف في الاكل والشراب والسكن والعلاج والمصروفات العادية دون ادخار رغم ان تحويلات العاملين بالخارج تقدر ما بين 5-8 مليارات دولار سنوياً, الا ان جلها تستخدم كمدخرات بالخارج من شراء عقارات وشقق سكنية.
ويرى الناير ان تحويلات السودانيين بالخارج اذا دخلت الى البلاد عبر الطرق الرسمية ربما تعالج العجز في ميزان التجاري الذي يقدر بحوالي 5 مليارات دولار وطبيعي ان ينسحب ذلك على علاج ميزان المدفوعات.
ويؤكد ان حالة السودان استثناء نسبة لوجود سوق موازية نشط وعدم وجود ثقة من المغتربين انفسهم تجاه النظام المصرفي الذى به تعقيدات كثيرة فالمغترب يحتاج الى دعم ثقة رغم انهم اعطوا بعض الامتيازات ولكنها غير كافية لذلك فقدان الثقة موجود وبنفس القدر نتوقع تحفيز مجزى وهو مهم جدا لان كثر من القائمين على الاقتصاد يقولون اذا تساوى السعران لا حاجة لتحفيز, وانا اختلف مع ذلك اذا كان سعر الصرف في الموازية مساوياً للرسمي قد يلجأ المغترب للسوق الموازية باعتبار ان الذين يقومون بالتحويل قد يحولون قبل استلام المبلغ من قبل المرسل, كما انهم يقومون بإيصاله الى الاسرة المستفيدة وهذه خدمات لا تقدمها البنوك, إذن علينا تفعيل نظام التحويل الفوري. بالإضافة الى تقديم حوافز مجزية حتى يستلموا قيمة التحويل من البنوك، ولابد من حزمة جيدة وليست كالسابق، ويضيف يشعر المغترب احياناً ان حقوقه منتقصة مثل ما حدث من سحب امتياز ادخال السيارة ادى الى وقفات احتجاجية وهذه ربما تؤثر سلباً على التحويلات في المستقبل.
تأثر بكورونا
ويشير الناير الى الاثر الذي تركته جائحة كورونا على التحويلات, ولكنه يتوقع عودتها الى وضعها الطبيعي حيث ان تحويلات السودانيين بالخارج في الفترة السابقة لم تتجاوز مائتي مليون دولار قياساً بـ5 مليارات المقدرة على أسوأ الفروض ولهذا نأمل من الحكومة ان تكون لها القدرة على جذب وتحفيز المغتربين والثقة والعمل على استقرار سعر الصرف، ومن هذا المنطلق لا نتوقع ان تستمر ظاهرة استقرار سعر الصرف طويلا ربما تعود مرة اخرى الى الارتفاع في السوق الموازية لان الاسباب التي ادت الى الاستقرار لم تكن جيدة, بل سياسات جمركية رفعت من قيمة الجمارك وادت الى إحجام المستورين وإجراءات معقدة لاستخراج السجل لا تتماشى مع المستثمر الأجنبي او الوطني لذلك احجام المستوردين عن الاستيراد ادى الى استقرار نسبي في سعر الصرف, ولكنه انعكس سلبا على السلع الاساسية واتى بسياسات غير جيدة انعكست في مستوى المعيشة, فان لم تتدارك الدولة مثل هذه الآثار ستكون لها آثار مدمرة في الفترة القادمة.
60% من حاجة النقد الأجنبي
اما الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان يقول تمثل تحويلات السودانيين العاملين في الخارج والمهاجرين حوالي 60% تقريبا من جملة مصادر النقد الأجنبي في الأربعة أعوام السابقة في ظل عدم وجود إحصاءات دقيقة بحكم ان الأموال كانت تحول عبر السوق الموازي بسبب العقوبات الأمريكية المصرفية على النظام المصرفي السوداني وحتى بعد رفعها ما زال النظام المصرفي السوداني غير قادر على التعامل مع النظام المصرفي الدولي بعد التغييب الطويل الأمد الذي عانى منه وهو ما جعله غير مواكب للتغييرات الكبيرة التي حدثت في نظام المقاصة الدولية من تقنيات ومن اشتراطات لأوضاع البنك المالية.
سياسات بلا نتائج
ويقول مختصون: ليس جديداً أن تعلن الحكومة سياسة تشجيعية للسودانيين العاملين بالخارج, ففي يونيو 1976 أقرت الحكومة سياسات تمثلت في منح المغتربين 15% من السعر الرسمي للجنية عند التحويل للداخل مع إعفاء جمركي يبلغ (500) جنيه مرة في العمر, ثم عدل الإعفاء الجمركي ليصبح (700) جنيه.
ولكن المختص في الاقتصاد احمد الشيخ يقول, ان تحويلات المغتربين سوف تزداد خلال العام الحالي لعدة أسبابٍ, من بينها ان جهاز تنظيم العاملين بالخارج قدم في مارس الماضي حوافز للتحويل عبر النظام المصرفي حسب سقف التحويل، تشمل الإعفاء الجمركي للأمتعة الشخصية عند العودة النهائية، وللمعدات المهنية، بسقف يبدأ من 5 آلاف دولار كحد أدنى.
واشار الى تراجع تغول السوق الموازي واستحواذه على سوق الصرف كثيراً عقب إجراءات توحيد سعر الصرف بعد أن كان يستحوذ على أكثر من 95 بالمئة من سوق الصرف، ومن المتوقع ارتفاع تحويلات المغتربين إلى نحو 8 مليارات دولارات سنوياً من المغتربين الذين يقدر عددهم بنحو 6 ملايين شخص في مختلف أنحاء العالم، معظمهم في دول الخليج العربي.
وقال ان توحيد سعر الصرف أدى إلى زيادة تحويلات المغتربين عبر الجهاز المصرفي, باعتبار أن سعر الصرف في البنك أغلى من السوق الموازي, بجانب ضمان عدم التزوير أو الغش في العملة المحلية والأجنبية.