لا يراود إمرئ؛ أين كان مستوى إدراكه بأن المشهد السياسي السوداني وصل مدى بعيدًا من التعقيد، ولعل ما أدى للوصول إلى هذه المحطة؛ جملة من التقاطعات بين المكونات الحاكمة، ما جعل البلاد تقف عند مرحلة اللامنتهى، إذ جميع القوى السياسية وبتعدد واجهاتها التي ظلت تتعنت، بل متمسكة بوجهات نظرها وتصورها لإدارة الفترة الانتقالية بالسودان، وكانت النتيجة الحال التي وصلت بلادنا، فالمتتبع للتأريخ السياسي السوداني، ومنذ فجر الاستقلال لا يستغرب ولا يرفع حاجب الدهشة؛ لما آلت إليه الأوضاع الآن، فكل المؤسسات والقوى السياسية تتحمل المسؤولية التأريخية للفترة هذه، فإن عدم استكمال حلقات التغيير أزمة المشهد لهذه الحكومة والفترة الاستثنائية، وبالعودة إلى حقبة ما بعد ثورتي أكتوبر وأبريل؛ نجد أن ثمة فوارق بائنة مقارنة “لحكومة اليوم”، إذ إن عدم وجود تصورات وبرامج واضحة من شأنها التأسيس للانتقال الديموقراطي تماشياً للمعايير المتعارف عليه بعيداً عن المكاسب الحزبية الضيقة.
تدل المؤشرات على أن أكثر المواقف التي أدت إلى تعقد هذه الفترة إلى جانب ما ذكر، المحاولات الانقلابية، عطفاً عن الانقلابات المدعومة من قبل الأحزاب السياسية، ثمة فوارق بين ما يحدث من عقبات ورؤية القوى الحاكمة، فكيف لها وهى لا تؤمن بالتداول السلمى بدعمها الخفي للانقلابات التي حدثت كيف لها بالتداول للسلطة داخل هياكلها إلى جانب إيمانها بالحريات كيف لها أن تسهم في انتقال متكامل يقوم على دولة المواطنة والعدالة، فالتناقض بائن في المشهد، ولا يمكن القول إن التغيير الذي حدث في السودان سيقودنا نحو تحقيق ثورة بالمفهوم الأكاديمي المعهود؛ حيث كل المؤشرات تدل وتشير بأن ما حدث ويحدث الآن لا يختلف كثيراً عن الفترات الانتقالية الماضية، بيد أن اتساع دائرة المشاركين في المرحلة الانتقالية الحالية وطول أمدها فضلاً عن بروز مؤشر هو الأبرز والأخطر على مستقبل الانتقالية والذى يتمثل في عدم استكمال الانتقال الديمقراطي (السلام. العدالة. صناعة دستور. الانتخابات…. )، إلى جانب انقسام الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية نفسها، والذى أودى بإعلان “ميثاق التوافق الوطني من الجبهة الثورية” مع بعض القوى السياسية، ولعمرى هذا أمر مستهجن، وهذا الانشطار ليس وليد اللحظة؛ بل إنه منذ إعلان الميثاق سادة بعض الإرهاصات التي بدأت تظهر منذ أن تخلت قوى الحرية والتغيير عن شركاء “الأمس” في نداء السودان وانخرطت في لقاءات مع المجلس العسكري في الخرطوم عقب سقوط النظام القامع فى “11 أبريل” 2019، حيث فقد الطرفان الثقة في بعضهما؛ بعد رفض قوى الحرية والتغيير تضمين مباحثات “أديس أبابا” في الوثيقة الدستورية، بجانب استمراريها بنفس العقلية التأريخية التي أضحت تستأثر وتهيمن على كل شيء بل توزع أخلاقيات الوطنية والثورية، وهذه العقلية أغرقت البلاد في أزمات معقدة باتت عصية على الحل والتوافق بل جعلت وحدة التراب السوداني في مهب الريح، على كل نتوقع ستمضى ما تبقى من الفترة الانتقالية بنفس الطريقة وذات التعقيدات والإشكاليات والملابسات، إلى جانب مماحكات بين شركاء الفترة الانتقالية والحكم؛ وكذلك نتوقع أن يحدث خلل في الوثيقة الدستورية وعدم استكمال هياكل الفترة الانتقالية التي تتمثل “المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية، والمفوضيات المعنية بالأعداد للانتخابات، ولعل غياب تلك الأجهزة انعكس على أداء الحكومة، بل يفتح الباب أمام اختراقات في الوثيقة وعدم الالتزام بها، وللأمانة نحن في مرحلة مفصلية من تاريخنا، إذ أمامنا طريق واحد وهو قبول بعضنا البعض و احترام اختلاق بعضنا، واحترام توجهاتها إثنياً وثقافياً وسياسياً وفكرياً، نحن بحاجة إلى توافق حتى تتمكن الحكومة من استكمال مراحل الانتقال وإنجاحه؛ فالانتقال مرتبطة بمشروعات إقليمية ودولية، دونه ربما يؤدى إلى إحداث تقسيمنا هيكل الدولة إلى دويلات، لعل ملامح ذلك معلومة للجميع، وهنا نرسل رسالة داوية للشباب وعليهم بالتمرد عن القيم والمبادئ التى أقعدتنا؛ والتفكير بشكل مختلف، وذلك بعقد تحالفات استراتيجية ترتكز على أسس وأطر نهضوية.
- باحث ومهتم بقضايا القرن الأفريقي.