عندما طرحنا في أبوجا فكرة الحوار الدارفوري – الدارفوري، و كان رأينا و لا زال أن يكون بعيداً و مستقلاً عن تدخل السلطة المركزية، كنا نهدف من وراء إقامة هذا الحوار إلى تحقيق الأهداف التالية، و قد ضمناها في الورقة التي قدمناها للوساطة حينها كمذكرة تفسيرية للفكرة:
– تمليك اتفاق السلام – إذا تحقق – للشعب و التبشير به.
– توافق أهل الإقليم على كيفية اقتسام ما يحصلون عليها من كعكة السلطة و الثروة.
– إشراك أهل الإقليم في تحديد أولويات التنمية و توزيع المشاريع بصورة تخدم الجميع و تزيل الغبن.
– التوافق على جمع السلاح من كل الأطراف عدا القوات النظامية.
جئت بما تم في أبوجا لأدلل على أن فكرة جمع السلاح قديمة، و أننا معها من حيث المبدأ. ولكن ليكون جمع السلاح فاعلاً وموفقاً في تحقيق الهدف منه دون التسبب في خلق إشكالات وفتن جديدة، لا بد من النظر أولاً في الأسباب التي دفعت الناس إلى اقتناء السلاح وحمله، و ما إذا كانت هذه الأسباب قد انتفت، و إن كانت ما زالت قائمة، فكيف السبيل إلى إزالتها. دعونا نحاول التعرّف أولاً على الأسباب التي أفضت إلى انتشار السلاح في أيدي الناس، ومعرفة منافذها، ثم من بعد ذلك ننظر في كيف نزيل الدوافع ونسد المنافذ، قبل القفز في الظلام ومحاولة جمع السلاح بصورة متهورة تفتقر إلى العلمية والرويّة.
انتشر السلاح بسبب فشل بعض الأنظمة التي تعاقبت على حكم سودان ما بعد الاستقلال في توفير الأمن للأفراد والجماعات، وبسبب الثورات والحروب الأهلية التي اشتعلت في معظم أقاليم السودان، والتي ما زالت رحاها تدور منذ أغسطس 1955. ليس ذلك فقط، وإنما ساهمت هذه الأنظمة، وعلى رأسها نظام الإنقاذ (نظام عمر البشير)، في نشر السلاح في أيدي المدنيين بالاستعانة ببعض المكونات الإثنية في حربها مع الثوار، وبسعيها لإحداث هندسة ديموغرافية في بعض الأقاليم، بتمكين بعض مكوناتها على حساب مكونات أخرى، بما في ذلك استجلاب بعض ممن ينتمون عرقياً إلى الفئة المفضّلة من خارج الحدود، و تيسير تجنيسهم و توطينهم في السودان.
كما ساهم صراع القبائل على الأرض ومواردها والسلطة الأهلية عليها، إلى حروب قبلية طاحنة سعى كل طرف فيها إلى الحصول على أكثر الأسلحة فتكاً، لتحقيق توازن الرعب. هذه بعض أسباب انتشار السلاح في أيدي جهات غير نظامية. أما كيف حصل المدنيون على السلاح، فأدناه بعض سبل كسب السلاح:
– جُل السلاح الموجود في أيدي المدنيين أو غير النظاميين – و الأسلحة الثقيلة على وجه الخصوص – سواءً الموجود في العاصمة المثلثة أو في كردفان أو في دارفور أو النيل الأزرق، حصل عليه الناس إمّا بصورة مباشرة من يد النظام، أو حصلوا عليه كغنيمة حرب أغراهم النظام بها.
– صار السلاح الذي حصل عليه المليشيات المختلفة من النظام ومن غنائم الحروب متاحاً، و خلق سوقاً رائجاً في الأقاليم المتأثرة بالحرب، و اقتناه كل من فقد الأمل في حماية الدولة من الأفراد و الجماعات لتأمين نفسها.
– ساهمت الحروب في المحيط الإقليمي في تغذية أسواق السلاح في السودان بكم معتبر و متنوع من الأسلحة، ويسّرت الحصول عليه.
– غنمت الحركات المسلحة كميات كبيرة من أسلحة القوات المسلحة عبر المعارك التي دارت بينهما و انتصرت فيها الحركات المسلحة، و وجد جزء من هذه الأسلحة طريقها إلى السوق .
حتى يتسنى للنظام أو أي حكومة قادمة جمع السلاح المتوفر في أيدي جهات غير نظامية، عليها أولاً العمل على إزالة الأسباب الداعية لحمل السلاح و على رأسها غياب الشعور بالأمن. ولن يتحقق الشعور بالأمن إلا إذا عمّ السلام كل ربوع البلاد، وتمكنت القبائل من إزالة أسباب الاقتتال فيما بينها بصورة لا يخشى معها العودة إليها، واطمأن الشعب إلى أن جمع السلاح شامل لكل الأطراف غير النظامية، بما في ذلك حزب النظام الحاكم و مليشياته وخلايا الطوارئ الخاصة به و غيرها، و بلا تمييز بين مكونات المجتمع و جماعاتها، و تيقّن أن السلطان قادر على توفير الأمن، و تأمين الأنفس و الممتلكات. إذا أمكن تهيئة البيئة بالكيفية المذكورة، انتفت الحاجة إلى اقتناء السلاح، وسهل جمعه.
وحتى يكون جمع السلاح عادلاً ومقنعاً للمواطن، يجب أخذ الآتي في الاعتبار:
– أن يبدأ النظام بنفسه في جمع السلاح من أيدي حزبه ومليشياته الخاصة. فالكل يعلم أن السلاح في أيدي المدنيين في العاصمة المثلثة، و في أيدي عضوية الحزب الحاكم و الموالين له في الأقاليم ، و ليس من العدل في شيء أن يترك السلاح في أيدي المدنيين في العاصمة المثلثة لتحمي به النظام نفسه من المواطنين، و تطلب من أهل دارفور وكردفان جمع سلاحهم.
– أن يتم جمع سلاح المليشيات القبلية الموالية للنظام بمسمياتها المختلفة، حتى لا تستخدمها في الحروب القبلية كما تفعل الآن.
– أن يكون جمع السلاح بعد تحقيق السلام، و إكمال إجراءات الترتيبات الأمنية النهاية، حتى تسقط ذريعة تسليح القبائل لمواجهة التمرد.
– أن يقوم المجتمع بقيادة الإدارات الأهلية بالدور الأكبر في اقناع الأفراد و الجماعات طوعاً بالتخلي عن أسلحتهم بعد طمأنتهم بأن السلام الاجتماعي قد تحقق بالفعل، وأن جمع السلاح شامل من غير تمييز.
– أن يتولى جمع السلاح شخصيات موثوقة في حيادها. أما الذين صعدوا إلى أعلى مراقي السلطة لدورهم الكبير في “تمليش” قبائلهم وتسليحها، فليسوا أهلاً لهذه المهمة.
– أن تكون هنالك حوافز معقولة الناس لتسليم أسلحتهم ولا تصل درجة تشجيع تهريب السلاح من دول الجوار.
ملخص القول، أننا مع جمع السلاح من حيث المبدأ، وأننا سنعمل من أجل جمعه ابتداءً من السلاح الذي بأيدينا متى ما تحقق السلام. ولكن الظروف في السودان عموماً وفي الأقاليم التي يُراد جمع السلاح فيها لم تتهيأ بعد، وأن لجمع السلاح أصول ومقومات يصعب النجاح في جمعه من دونها.
وليعلم الذين يظنون أن جمع السلاح مجرد نزهة وإظهار عضلات أن السلاح ليس بـ “سارح” – كما قال الجبوري – حتى يسهل أخذه من” مراحه”، و أن المحاولات الفطيرة، الفقيرة الى التمحيص و العقلانية، قد تُفضي إلى فتن خير منها بقاء السلاح في أيدي من اقتنوه.
- الكاتب: رئيس “حركة العدل والمساواة” السودانية