استدامة النظام الديمقراطي تتطلب وجود أحزاب سياسية ديمقراطية غير انقلابية، وقوات مسلحة موحدة حامية للنظام الديمقراطي وقادرة على صد اي مغامرة انقلابية، وطبقة وسطى مؤمنة بالديمقراطية والحريات وقادرة على دعم الأحزاب السياسية والجيش وتوجيه بوصلتهما نحو دورهما الحقيقي في توطيد اركان حكم القانون.
تاريخيا كانت هناك أحزاب سياسية ديمقراطية وأخرى غير ديمقراطية، وكانت هناك قوات مسلحة مهنية ومغامرين غير مهنيين من العسكر الانقلابيين، ولكن تاريخيا لم تكن توجد طبقة وسطى مؤمنة بالتغيير وقادرة على مواصلة الالتزام بالسعي نحو هذا التغيير.
في ظل ثورة ديسمبر ظهرت فجأة طبقة واسعة من أبناء وبنات السودان المؤمنين بالتغيير والقادرين على التمييز بين البناء والهدم وبين من يؤمن بالديمقراطية ومن يتربص بها، هذه الطبقة تتكون من أجيال متوسط أعمارها لا يتجاوز الخامسة والثلاثين سنة، تربوا في عهد الانقاذ ورغم ذلك استطاعوا الوصول إلى قناعة أنها نظام فاشل يجب أن يذهب، فاطاحوا بها وها هم الآن يتدافعون هنا وهناك من أجل الذود عن الثورة والمحافظة على مسار الانتقال المتجه نحو الدولة المدنية.
غدا السبت ستخرج مسيرة لجماعة مؤتمر قاعة الصداقة، وهي مسيرة مبهمة الأهداف، وتدعمها لافتات مشكوك في انتماءها للثورة، كما أنها تحظى بدعم المكون العسكري، وتحظى بدعم ضخم من الكيزان والفلول، ويعتبرونها مرحلة فاصلة ويعدون لها منذ أمد بعيد.
يعلم الثوار ان في هذه المسيرة ثوار، ولكنهم ثوار ضلوا طريق الثورة حين سمحوا للفلول بأن يستغلونهم، وأصبحوا بذلك معاول هدم للثورة، وأصبحوا حاجزا جديدا وعقبة أخرى امام التحول نحو المدنية، فالفلول لا يدعمون التحول الثوري نحو الديمقراطية وإنما يدعمون الفوضى والعودة للشمولية، لذلك سيجد الثوار الضالين يوم السبت أنفسهم في وسط جوقة تهتف لتفويض البرهان وإعادة سيناريو السيسي وسيعلموا وقتها الحقيقة ولكن بعد فوات الأوان.
مسيرة السبت تقف امام تطوير الشراكة بين المدنيين والعسكريين والمضي بها قدما إلى الامام، وتعطي العسكر ذريعة لكي يتنصل من الوثيقة الدستورية، ولذلك هي مسيرة ضد الانتقال وضد تحقيق أهداف الثورة، لذلك رفضتها الطبقة الوسطى الثورية، رفضتها لجان المقاومة، رفضتها تجمعات المهنيين، رفضها الأطباء والمحامون وغيرهم، ولم تجد لها داعم فذهبت تستجدي طلاب الخلاوي.
من ناحية أخرى تدعم كل هذه التيارات مليونية ٢١ اكتوبر، فهي مليونية هدفها إلزام المكون العسكري بالوثيقة الدستورية التي خطتها دماء الشهداء، الالتزام بهذه الوثيقة وهو اول الخطوات نحو بناء نظام ديمقراطي مستدام، رغم الآراء في الحكومة الانتقالية ونجاحها وفشلها الا انه لا يمكن أن يتنازل الثائر عن دعم الحكم المدني والوقوف أمام اي اعتداء على الدستور حتى وان كان وثيقة مختلف عليها.
المعركة الآن بين الباحثين عن تطبيق نموذج السيسي والباحثين عن دولة مدنية ديمقراطية، والمواطن السوداني عليه أن يختار بينهما الان:
أمامك فانظر أي نهجيك تنهج
طريقان شتى مستقيم وأعوج
sondy25@gmail.com