• إنَّ المراقب للأحداث التي تشهدها البلاد الآن، يكاد يتيقن أنها توشك أن تجرها إلى عواقب وخيمة لو لم تُتدارك!!..
ولقد ظللنا كلنا نراقب عن كثب معالجات أحزابنا وسياسيينا لتلك الأحداث والتطورات في الساحة السياسية وكيف تكون (ردات) أفعالهم عليها في الغالب..
غير أن ما جري، ويجري في الأربعة الأسابيع الآخيرة، منذ أن تم قفل أقليم الشرق، وحتى إعتصام القصر، وإلى ما نراه بدايةً حقيقيةً للمرحلة الثانية من ثورة ديسمبر بتدفقات الجماهير التلقائية في صبيحة ٢١ أكتوبر الجاري، يستوجب علينا النظر بطريقة أخرى للأحداث..
• إننا نرى بوضوحٍ جلي، لا يتخلله الغبش، أن الإحتقان السياسي الراهن، يلعب فيه، بل يشكِّلُه وبإصرار، ويتحكَّم فيه المكون العسكري أو بعضه، في حكومتنا الإنتقالية، وبصورة جريئة لا يتطرق إليها حتى التردد أو التخفي من جانبهم..
• لقد صرّح مراراً أهلنا في الشرق المقفول أنهم إنما يفعلون ما يفعلون بعلم وبحماية المكون العسكري في حكومة الإنتقال، ولم يكن ذلك منهم إلا توضيحاً لواضحٍ لم نكن نشك فيه أبداً ومنذ وقتٍ بعيد !!
ولقد عمِد الفريق البرهان في أكثر من ثلاث مناسبات متفرقات أو تزيد، ومن داخل الثكنات العسكرية، إلى دعوة جماهير الشعب السوداني لتفويضه للإنقضاض على الحكومة الإنتقالية والإجهاز عليها، ولقد إستجابت له مراراً جماعات الفلول المتربصة المعزولة، بتسيير المسيرات الباهتة لتأييد هذا الإتجاه الخطير في تفكير الفريق البرهان، ولكن في المقابل فإنَّ وعي جماهير الشباب الثائرة، والجماهير الغالبة المؤمنة بالتحول الديموقراطي كان يجهض عليه هذه النزعة الإنقلابية ويوقفها، غير أنه لم يتوقف أبداً، وظل يكيل الإتهامات بلا كلل، ويحرِّض على الشقاق السياسي وشق الصف عن الحكومة الإنتقالية، ومكوناتها والتشكيك فيها، وتدليس الحقائق بمحاولة تحميل الشق المدني كل فشل في الحكومة، حتى ما كان من صميم واجبات المكون العسكري، كالضبط الأمني والمجتمعي في حياة الناس ومعاشهم..مع تسليمنا بضعف أداء حكومتنا هي الأخرى، في جوانب عديدة وبصورة مقلقة ومؤسفة !
• إن أخطر مراحل التفكير الإنقلابي للمكون العسكري، وعلى رأسه البرهان، هو ما يتجلى الآن فيما يسمى (بإعتصام القصر) الذي لا نشك أن من أوعز به هو المكون العسكري أو بعض مكوناته، بالتكامل والإستغلاق في محاولة آخيرة وخطيرة لخنق الحكومة الإنتقالية وإسقاطها، ولولا لطف الله، ثم بوعي الشباب الثائر والجماهير الناضجة لكان قد تم للمكون العسكري بزعامة البرهان ما خطط له، وذلك قُدِّرَ أن تتصادم المسيرات البشرية الهادرة في صبيحة ٢١ أكتوبر مع جماعات الفلول المحشودة أمام القصر !!
• إن أخطر ما يخطط له المكون العسكري بزعامة البرهان، من خلال محشودي القصر، وما أصبح واضحاً في المخاطبات التي تقام في هذا الإعتصام، هو أن يتم التهديد بإستخدام سلاح الحركات المدمر، أو بإستخدامه فعلاً، داخل العاصمة لترويع العاصمة، وقوى الثورة لإتمام المخطط الذي ظل يعمل له البرهان..غير أن ذروة خطورة مخطط البرهان، وبعض مكونه العسكري، هو ما يحدث الآن بتقسيم المجتمع بإحياء النعرات القبلية فيه على نحو ما كانت تصنعه الإنقاذ في عنفوان أذاها لنا، ولوطننا العزيز..
• إن تحشيد القبائل داخل العاصمة بتآمر من متسلقيها ومرتزقتها، ومن (مكرِييِّ) عمدِها ونظارها وشراتيها، هو مخطط خطير ومدمر، ومع إستخدام سلاح الحركات بلا مواربة، هو قمة المخطط لتفجير العاصمة، والموقف السياسي العام برُمته، ليتسنى للفريق البرهان إنفاذ مخططه بالإجهاز على الحكومة الإنتقالية، والإحتماء من ثم، بالسلطة، خوفاً من الملاحقات القضائية المترتبة عن جريمة فض الإعتصام.. تماماً، وبالضبط، مثلما كان يفعل البشير بإتخاذ الشعب السوداني(درقةً) يظن أنها تحميه من الملاحقات القانونية المترتبة عن جرائمه..
• إزاء هذا كله نحن نعتقد أنَّ على كل الأحزاب السياسية، والكيانات، والجماعات، والمكونات المدنية، والشخصيات الوطنية الديموقراطية العامة ألا تقف موقف المحايد، ولا موقف الوسيط..
• إننا نرى بوضوح شديد أن الموقف الصحيح لكل الأحزاب السياسية المؤمنة بالديمقراطية، أن تدعو بلا مواربة (لذهاب البرهان الإنقلابي) والذي أتت به الأقدار في لحظات إستغلاق عجيبة ليكون جزءاً من حل لا أن يكون هو كل المشكلة !!
• إنَّ معظم المكون العسكري الراهن، وعلى رأسه الفريق البرهان، لا يؤمن بالثورة، ولا بالتحول الديموقراطي، ولا بالسعي إلى إتمام الفترة الإنتقالية، وهو بأفعاله، نراهُ جزءاً من منظومة متآمرة، تخطط للإجهاز على هذه الفترة الإنتقالية، والتمهيد لعودة الإنقاذ مجدداً، ولو بصورة مغايرة، وإن ظلَّ البرهان يردد للشعب، وللعالم الخارجي أنه ليس كذلك، إذ أعمالُه تتحدث عن إنقلابيته، لا أقواله !!
• إنَّ قواتنا المسلحة العظيمة لا تزال تذخر بأبنائها الوطنيين الذين يؤمنون بعظمة هذا الشعب، وبإستحقاقه في حياة ديمقراطية كريمة يستحقها ويشتاقُ إليها، وهم يمارسون دورهم العسكري الذي يؤمنون به بمهنية، وإحترافية متجردة..
• وأما هذه الأحزاب السياسية فإذا أرادت أن يكون لها مكان في إحترام قلوب صناع الثورة وإخوة شهدائها، فإنَّ عليهم أن يعلنوا، وبلا لجلجة، أنهم يقفون مع مطالب مسيرات الإستفتاء التفويضية بإستبعاد كل إنقلابي في المكون العسكري الحالي وفوراً، وعلى رأسهم البرهان، ودعوة القوات المسلحة ليقدموا لنا بديلاً أو بُدلاء، من بين صفوفهم، ممن يؤمن بالتحول الديموقراطي، وبحق الشعب السوداني في حياة ديمقراطية كريمة، وبدور القوات المسلحة المهني الإحترافي غير الوالغ في دماء شعبها، وغير الطامح في التغول على حكم لم يتم تكوينها أصلاً لتوليه..
• إن هذه الفترة التي نعيشها الآن من بعد إستفتاء ٢١ أكتوبر هي مرحلة مهمةٌ ثانيةٌ وحاسمة من مراحل تنزلات ثورة ديسمبر، وعلى جميع القوى المؤمنة بالثورة والديموقراطية ألا تتخلف عن المواكبة فيها، ولو لربط شِراكِ نِعالِها..
•••