بدأت البوادر الحقيقية للانقلاب الأجوف على الثورة عندما هتف المنتفعون وأصحاب الضلال السياسي في مايسمى باعتصام القصر المأجور (ما بنرجع إلا البيان يطلع) و(يا البرهان دايرين بيان) وتشدق المستنفذون بعبارات ثورية لم تخالج قلوبهم بحل الحكومة كمطلب أساسي لهم؛ حتى ينفردوا بالسلطة مع نصرائهم من عسكر المؤتمر الوطني والمليشيات وبعض الحركات المسلحة التي مُنحت لقب (حركات الكفاح المسلح) ولكنها خانت عهد الثورة وحنثت بقسم الوطن حينما أرادها (مدنية) كاملة الدسم.
لم يقرأ الانقلابيون الجدد صفحات التاريخ.. ولم يتعلموا مِن مَن كانوا على شاكلتهم شيئاً.. وكأن ما حدث للطاغية المخلوع عمر البشير كان حلماً قد نسوه في بارحة تلك الليلة!.. وكأن الخيال كان مليونية 30 يونيو 2019 الذي زلزلت الأرض من تحت أقدام المجلس العسكري حتى سارع بالجلوس مع ممثلي الثورة من قادة الحرية والتغيير خانعاً ومنكفئاً على ذاته جراء هدير الشعب الذي آمن بالحرية والمدنية في مؤسسات الدولة كأساس للحكم الراشد؛ بعد كل هذه الدروس والعبر الحديثة يسير المتوهمون سارقو الثورات عكس إرادة الشعب بصورة لا تجد لها مبرراً سوى حب السلطة والتسلط وتنفيذ أجندة تخدم من يخافون (الحرية والسلام والعدالة)، ماهذا الغباء المركب في مخيلة هؤلاء البشر؟ شعب خرج كما لم يخرج من قبل لتأييد الحكم المدني وتثبيت أركانه من قبل الطامعين في كراسيه قبل أيام قلائل.. كيف تصفعه بتحركات غاشمة ومشبوهة وآثمة في شهره المقدس (أكتوبر).. هل يطمع سدنة الإنقاذ في رد الجميل لقادتهم بطمس ثورة أكتوبر ومعالمها كما فعل الثوار حينما جعلوا من (30 يونيو) أيقونةً للنضال واسترداد الحقوق التي انتزعت في نفس الشهر من العام 1989؟
الشعب حذر بكل أطيافه ومكوناته من الرجوع للمربع الأول؛ وقال بملء الفم (الردة مستحيلة).. هل يفهم هؤلاء الانقلابيون ماهي (الردة)؟!. هل يفهمون معنى أن (الشوارع لا تخون).. هل هنالك تفسيرٌ لصبر المواطن على مكابدة العيش ورهقه غير إيمانه التام بأهمية التغيير وتعزيز مبادئ الحكم المدني التي تتطلب ذلك الصبر ومغالبة هوى النفس لأن العراقيل التي يضعها المخربون أمام قطار الثورة لا تحتاج لميكروسكوب عالي الجودة فهي واضحة للعيان؛ لذلك فهم المواطن كيف تنفذ (الثورة المضادة) أجندتها باستنفاد صبره وقواه، ولكن هيهات هيهات فقد فشل المخطط في خنق الوطن.. والآن ينفذون ما يصبون إليه بالقوة بعد أن خسروا رهان المواطن والشعب.
فليطمئن الثوار أن السودان لا يشبه مصر في معالجة الأزمات السياسية.. ومسرح القيادة ليس ميدان رابعة.. وحكومة حمدوك لا تقارن بحكومة محمد مرسي حتى يستنسخ الحالمون منها تجربة السيسي.. وكفى.