يهدد انقلاب العسكريين في السودان بتعريض البلد مجددا لعزلة دولية خرج منها لتوه بعد تولي مؤسسات انتقالية يتقاسمها المدنيون والعسكريون السلطة في السودان عقب إسقاط عمر البشير في عام 2019.
يقول أليكس دو فال رئيس مركز أبحاث وورلد بيس فاونديشن (مؤسسة السلام العالمي) إن “التحول الى الديموقراطية الموعود الذي تم الاتفاق عليه عام 2019 بين المدنيين والعسكريين كان نقطة الضوء الوحيدة في نهاية النفق لبلد يعاني من مصاعب اقتصادية وسياسية بعد 30 عاما من الحكم الدكتاتوري” في عهد البشير، الخصم اللدود للأميركيين.
ويؤكد دو فال لفرانس برس أن السلطات الانتقالية بتعهدها بالتحول الى الديموقراطية “كانت تخدم مصالح السودان الوطنية من خلال سلسلة من الاصلاحات، حتى وان كانت بطيئة، بمساعدة دولية”.
فقد نجحت السلطات الانتقالية في الحصول على تخفيف للديون الخارجية وفي رفع اسم السودان من على اللائحة الأميركية للدول الداعمة للإرهاب وفي تحرير سعر صرف الجنيه السوداني والسيطرة على المضاربة في السوق السوداء لضمان استقراره. قال الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش مجددا الثلاثاء أنه يريد “تطبيع العلاقات مع إسرائيل” معبرا عن ذلك بوضوح لأول مرة علنا. إلا أن هذه اليد الممدودة في عالم عربي لا يعترف معظمه باسرائيل لن تغير من الأمر شيئا.
مشكلة سيولة
انقلاب الاثنين قد يوقف السير في اتجاه الاصلاح، بحسب الخبراء. وتقول مجموعة الأزمات الدولية في تقرير عن السودان إنه بقطعه كل الجسور مع شركائه السابقين في الحكم من المدنيين الذين اعتُقل العديد منهم، “يجتاز الجيش عتبه تنذر بأخطار جسام للسودان”. ويضيف التقرير إن “الجنرالات عاندوا رغم التحذيرات” التي تلقوها من الموفدين الدوليين الذين تتالت زياراتهم للسودان حتى ساعات قليلة من إعلان الجيش انقلابه.
ولم يتأخر رد القوى الدولية: الولايات المتحدة أعلنت تجميد 700 مليون دولار مساعدات للخرطوم وهدد الاتحاد الأوروبي بتعليق مساعدته المالية. ويعتقد دو فال أنه “إذا نفذ المانحون الغربيون والبنك الدولي تهديداتهم، فان الوضع الاقتصادي سيعود الى نقطة الصفر أي الى ما كان عليه قبل بدء الاصلاحات”. ليس هذا ما يحتاجه السودان الذي كان سعيدا بخفض التضخم خلال الشهور الأخيرة ليصل الى … فقط 365%. والداعمون للبرهان قائد الجيش السوداني الذي أمسك بالسلطة بمفرده في الخرطوم لن يعوضوه المساعدات الدولية.
ويقول دو فال “قد يكون لدى البرهان بعض السند في العالم العربي ولكنه لن يحصل إلا على القليل من السيولة ولن يتمكن من تعويض المساعدات المالية الكبيرة” التي كان يحصل عليها السودان، وهو واحد من أفقر بلدان العالم. ويضيف إن العسكريين بدفاعهم عن انقلابهم “يعرضون السودان لخطر أن يصبح معزولا للغاية”.
“كارثة” إضافية لإفريقيا
وتحذر مجموعة الأزمات الدولية من أن “اضطرابات طويلة المدى في السودان ستكون كارثة إضافية” في منطقة تمزقها النزاعات من القرن الإفريقي الى شمال افريقيا، مرورا بالساحل. ويخشى دوفال من أن قمعا عنيفا للمتظاهرين حول الخرطوم الاثنين الى مدينة أشباح والمزيد من العنف سيعني “إراقة للدماء في الخرطوم وأيضا عودة الحرب الأهلية في دارفور وفي جنوب كردفان”.
في نهاية 2020، أعلنت الخرطوم التوصل الى اتفاقيات “سلام” مع العديد من مجموعات المتمردين ولكن المطالب الاقليمية يمكن أن تعود الى الواجهة في بلد وقارة يسهل الحصول فيهما على السلاح.
ومن أجل تجنب سقوط السودان مرة أخرى في دوامة العنف، تقترح مجموعة الأزمات الدولية أن “يهدد الاتحاد الافريقي بوضوح بأنه سيمنع من السفر وسيجمد أموال الأشخاص الذين يسمحون بقتل المتظاهرين أو يقاومون العودة الى الاتفاقيات الانتقالية”.
أما الدول العربية القريبة من الجيش السوداني مثل الإمارات ومصر فيتعين عليها أن تشجع السلطات الجديدة على “ضبط النفس” لأنها، بحسب باحثي مجموعة الأزمات الدولية، “لن تكسب شيئا من عدم الاستقرار الى السودان”.