بالشواهد وواقع التاريخ خلال الحكومات العسكرية في السودان لم يستطع أي عسكري لدينا من الذين تزينت أكتافهم بالدبابير وصدورهم بالنياشين إقامة حكم مدني يؤمن بالحوار ويحترم الرأي والرأي الآخر والصبر على اختلاف الرأي بين المختلفين ومحاولة إيجاد مخرج حل لمشكلة أو اختلاف في الرأي يجمع بينهما وفيه المصلحة للطرفين.. ولهذا وهو واضح جدا للجميع أن قائد جيشنا البرهان لما لم يستطع أن يجد حلا لمشكلته واختلافه في الرأي مع المكون المدني حمدوك ووزرائه وقوى الحرية والتغيير لجأ مباشرة إلى الحل العسكري والانقلاب على السلطة ليهزم المدنيين به بعد أن وجد مواجهة منهم بالرأي والرد بل بالحشد الجماهيري الكبير الذي ساندهم.. وبالتالي لم يجد حلا لاسكاتهم إلا بالبندقية وهم لا سلاح لهم إلا الكلمة والحوار والنقاش أدوات المدنية التي لم تجد القبول لديه وغيره من العسكريين ولهذا أتى في بيانه ومؤتمره الصحفي بمبررات يراها موضوعية هو ليقنع بها الجماهير بما فعل وما سيفعل وهو قائد الجيش المبجل..
وكما هو معتاد للشعب السوداني أن العسكري عقيدته اللجؤ إلى القوة لفرض هيمنته وقهر الآخر واجباره على الانصياع على ما يريد لأن في يده السلاح وبأمرته الجنود المدججون بالسلاح والمدنيون سلاحهم الكلمة والسودان أكثر بلد مرت عليه تجارب وضحت الحقيقة التي يعلمها الجميع أن العسكريين لدينا هم أعداء حرية الرأي والديمقراطية وتركيبتهم وتربيتهم العسكرية تقوم على الضبط والحماس والاعتماد على الجسد والقوة لا العقل والتفكير والحوار والصبر عليه كما يفعل السياسيون المدنيون عادة لأن مهمة العسكريين تتمثل في حفظ الأمن والدفاع عن حدود الوطن والثقور لا الحوار والنقاش والاتفاق والإقناع وقبول الرأي الآخر..
لقد جاء الفريق عبود العام 1958 والعقيد النميري 1969 والبشير 1969 في حكم عسكري للوطن وغادروا بجبروتهم وفرض رأيهم ولم يكسب منهم الوطن إلا الرجوع إلى الخلف والتأخر وخلق المشاكل والاختلافات بين أبناء الوطن الواحد… ويكفي خسارة الوطن من عبود ببيع وادى حلفا للمصريين … وقتل نميري لموطني الجزيرة أبا.. والبشير بفصله جنوب الوطن عن شماله.. وهذا قليل من كثير من خسارات الوطن في حكمهم..
والآن بعد أن نعم الشعب السوداني بمكتسبات ثورة ديسمبر الحرية والعدل والسلام وقطعت بلادنا شوطا كبيرا في النجاحات بجهود حمدوك وحكوماته التي تزعمها وأدارها باقتدار وهمة وقد وضع السودان في خطه العالمي السليم بسياساته الخارجية الناجحة وألغى الكثير من ديونه العالمية وفتح ساحته للاستثمار العالمي وقلل كثيراً من المشاكل الحياتية للمواطن ويسعى إلى حلها جذرياَ ووجد قبولا وتأييدا كبيرا من المواطنين وكل ذلك جعل السودان يستعيد سمعته ومكانته بين دول العالم…
فهل بعد كل هذه المجهودات التي أدت إلى السلام والوطن يسير في وهج من التغيير بشبابه وكنداكاته الذين صنعوا الثورة بدمائهم وعرقهم والتعامل مع الدول بواسطة حكومة الثورة العظيمة وحالة التفاؤل والأمل التي شملت كل الوطن وشعبه بأن هناك مستقبلاً واعداً ينتظر السودان قريباً .. فهل من المعقول أن يرجع الوطن إلى الوراء.. وإلى نقطة الصفر بانقلاب مبرراته عدم رضاء المكون العسكري من المكون المدني فما كان يحدث من مشاكل واختلافات في الرأي ومطالبات بالعدل والمساواة هي نتاج طبيعي للمستحقات التي أفرزتها الثورة والعهد الجديد الذي أعطى الكل الحق بأن يدلي برأيه في كل أمر يهم الوطن ويوضح مظلمته ويطالب بحل مشكلته فلماذا يضيق صدر المكون العسكري ويغضب من توجيه اللوم إليه وإخفاقه في توفير الأمن والسلام وعدم قبول الرأي في توجيه النقد له من غيره وهو في عهد حرية وديمقراطية كفل للجميع الإدلاء بالرأي… ألم يسمع البرهان أو يشاهد ما يواجهه رؤساء الدول التي تحترم حرية الرأي والرأي الآخر والديمقرطية من مواجهات بالرأي من المواطنين والنقد .. فكم منهم من واجه الضرب من مواطن مظلوم مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتوجيه كلام جارح وسخيف من مواطن غاضب للرئيس الأمريكي ترامب وغيرهم كثير واجه النقد ولم يلجأ إلى القوة كما لدينا ..
فلماذا يكون الرد لدينا على النقد بإنقلاب عسكري يفقد الوطن الكثير من الجهد الذي بذله الشعب للوصول إلى حكم مدني يسع الجميع ويقوم كل بمهامه الوطنية .. الجيش لحفظ أمن البلاد والسياسيون لحكمها مدنياً كما الدول المتقدمة… فهل القيام بإنقلاب عسكري على المدنية يطمئن على القبول بها وتطبيقها والمحافظة عليها؟؟!!