السيد مني مناوي
رئيس حركة تحرير السوان والرفاق والرفيقات بمختلف مؤسسات الحركة
في البدء تحية نضال وصمود للشباب والنساء والشيب والأطفال والشهداء الباقون في حياتنا اليومية وذاكرة التاريخ بأحلامهم النبيلة وهم النواة الحقيقية للتنوير والتغيير، وبدمائهم ارادوا رسم خارطة السودان من جديد طبقاً للمعاهدة الثورية التي كتبناها سوياً بمداد النور ” الحرية-الوحدة- السلام-الديمقراطية” و”حرية سلام وعدالة”هاتفين لسودان ديمقراطي لا حرب فيه ولا سجون، ودوماً نظل نردد “شهدائنا ما ماتو عايشين مع الثوار” لنقول للعالم أجمع أن السودان أرض المناضلين الصامديين الحالمين بوطن يسع الجميع.
أتقدم اليكم باستقالتي من حركة تحرير السودان بعد ان أمضيت قرابة العقد ونيف فيها عضوا فاعلاً ومدافعاً عنها. عملت اثناء هذه الفترة مع العديدين من قيادات وأعضاء الحركة ولمست منهم تفان ونكران للذات وتضحيات كبيرة من أجل سودان أفضل رغم ذلك انتهيت اليوم بتقديم استقالتي.
لهذه الإستقالة عدة أسباب ليس بوسعي إيراد تفاصيلها بالكامل حتى لا أؤثر على المكاسب التي يمكن أن يحصل عليها الشعب السوداني والحركة بصدد الدخول في مرحلة حرجة من عمر الدولة بالرغم من شكوكي حول قدرة الحركة حاليا حول ذلك.
هنالك أسباب أود ايرادها هنا بعجالة، ويبقي أن اثنين منها لها الاتصال المباشر للإستقالة مع الأهمية القصوى للأسباب الأخري والتي سأتحفظ عن ذكرها والذي لا يقل أي منها أهمية عن الأخر:
1- السبب الرئيسي هو تنكّر حركة تحرير السودان لمبادئها الأساسية
2- بعد تنصيب مناوي حاكماً لعموم إقليم دارفور يوم 10 أغسطس 2021م والجنجويد ، مستمر في الحرق وتجريف مزارع المواطنين، وتهجير حوالي 40 قرية بين طويلة والفاشر فقط، فيسكت الحاكم ويصمت، ولا ينبِس ببنتِ شِفَّة، ويهرب للأمام بلا هُدَى أو هدَف.
1- تنكر حركة تحرير السودان لمبادئها الاساسية
ظلت حركة تحرير السودان ومنذ تأسيسها بواسطة الشهيد الراحل عبدالله أبكر بشر ورفاقه تعلن على الدوام أنها قامت لنصرة المهمشين والمظلومين. والرّاجح عندي ان هذا هو الشعار الرئيسي الذى دفع ملايين السودانيين للإنضمام لها او الإلتفاف حولها أو تأييدها أو التعاطف معها و الإنحياز لصفها بصور شتي بحكم أن الغالبية الساحقة من السودانيين مهمشين في دولتهم.
على المستوى الشخصي كان هذا هو احد الأسباب الذى دفعني للإنضمام للحركة لكوني انحدر من أكثر المجموعات تهميشاً في غرب السودان إن لم يكن السودان قاطبة. وبعد اطلاعي على مبادئ الحركة وأهدافها وشعاراتها رأيت أن الحركة تفتح نافذة جديدة للمهمشين في سودان تسوده المساواة والعدالة الاجتماعية فانضممت لها دون تردد.
ودون الخوض في تفاصيل الصراعات التي مرت بها الحركة نفسها منذ تأسيسها، ودون الخوض في التفاصيل التي مرت بها الحياة السياسية في السودان، وجميعها معروف لديكم، فقد لاحظت تراجعاً مريعا للحركة عن شعاراتها الأساسية منذ العام 2019 حتي قمت بتجميد نشاطي وقد بلغ هذا التراجع مداه في الفترة الأخيرة على مرحلتين، أولاهما بعد ثورة ديسمبر المجيدة ووضع الحركة يدها علي ايدي من سفكوا دماء الشعب السوداني واغتصبوا حرائرها وحرقوا قراها بدارفور وجبال النوبة وكردفان وبإعتصام القيادة العامة للجيش السوداني وثانيهما موقف الحركة مؤخراً حتى تماهت الحركة مع امراض السودان القديم وابتعدت عن خطها الثوري في التغيير الجذري للدولة و أصبحت تساوم على مبادئها، ولم يعد هنالك فرق بينها وبين من افنينا الحياة في قتالها.
بلغ تنكر الحركة لمبادئها مداه في التحالف مع جنرالات البشير ومليشياتهم في خطوة اقل ما يمكن أن يقال عنها انها خيانة لدماء الشهداء و مخزية، لا يمكن أن تصدر من قادة يعلنون أنهم يقودون حركة ثورية تزعم انها تسعي للتغيير والعدالة في بلاد مزقها الظلم وغطت فيافيها الدماء من هذه الايدي التي تصافحها اليوم!.
موقف قيادة الحركة الداعم للمكون العسكري في الحكومة الانتقالية، الموقف الذي يمثل الوقوف ضد مشروع التحرير العريض الداعية للتغيير و يمثل وقوف ضد التحول المدني الديمقراطي و يمثل خيانة لدماء شهداء الثورة السودانية الذين قدموا ارواحهم من اجل العزة و الكرامة و الحرية للشعب السوداني.
من وجهة نظري فإن هذا التعالي والغطرسة والتجاهل والازدراء والاستخفاف بدماء الشعب السوداني والتنازل عن الخط الثوري لا اجد له تبريرا غير تنكر الحركة لمبادئها الأساسية، وانها قلبت ظهر المجن للمهمشين وأصبحت لا علاقة لها بالقضايا العادلة ولا بقضية النازحين الذين يُقتلون كل صباح وعشية من ذات العدو القديم والحليف الجديد، وأصبح ادعائها الدفاع عن قضايا المهمشين ادعاء كاذب يهزمه الواقع وتجلوه الممارسات الخادعة في دارفور علي وجه الخصوص، واصبح موقف الحركة من قضايا المهمشين والمظلومين واضح للجميع وللنازحين انفسهم حتى انقطعت علاقة الحركة بالمهمشين وقضاياهم.
وكنتيجة لتلك الممارسات التي أصبحت سمة أساسية للحركة من الطبيعي ان تنقطع العلاقة بين المهمشين والحركة حيث – كما تعلمون– لم يعد المهمشون أنفسهم ينظرون للحركة علي انها التنظيم الذى يجسد آمالهم في السودان المنشود الذى حلموا به وبشرهم بها الحركة.
لم يكن لما حدث من خيانة شيئاً فرياًن بل هو أمر يعكس في جوهره تنكر الحركة المستمر لمبادئها، وكدليل آخر على هذا التنكر يمكنني الإشارة الى التناقض الذى تمارسه قيادة الحركة حاليا، فبينما تتحدث قيادة الحركة عن التحول الديمقراطي وممارسة نجدها تتمسك في ذات الوقت بدولة السودان القديم ” جنرالات البشير” بكل مثالبها. وقد فشلت في توفيق هذا الموقف في ذهني لشدة تناقضه، وهو تناقض ما كان لقيادة الحركة ان تقع فيه لو انها لم تتنكر لمرتكزات برنامجها الأساسي.
هنالك تناقض إضافي آخر تمارسه قيادة الحركة وهو حديثها الثابت عن إزالة التهميش بينما تتمسك في ذات الوقت وتتحالف مع من تسببوا في التهميش ، ولا يستقيم عقلاً التمسك بالدولة القديمة وفي ذات الوقت الحديث عن إزالة التهميش و لا يمكن انهاء التهميش إن لم يتم هدم الدولة القائمة وتفكيكها من جذورها وبناء دولة جديدة على أسس جديدة يتفق الناس حولها.
كنت اعتقد انني عضو في حركة جادة في تحقيق ما ترفعه من شعارات حول المهمشين وحقوق النازحين والغلابة من النساء والشباب والاطفال، والآن بعد أن ثبت لي خطل تلك الشعارات البراقة لست مستعدا أن أكون عضوا في حركة تنكرت لمبادئها وأفرغت مبادئها وشعاراتها من مضامينها والتفت حولها وقبلت ما لا يمكن القبول به بعد أن قدم عشرات الألاف من الشهداء في سبيل الوطن المنشود ، ضحوا بحياتهم لبناء وطن جديد لكل السودانيين.
كان على الحركة التمسك بطرحها الأساسي في بناء دولة جديدة وتنفيذ مشروع التحرير العريض . وكان عليها بوصفها حركة تسعي للتغيير مواجهة وضع ” اللادولة و اللا فوضي” هذا والسعي مع السودانيين نحو بناء دولة جديدة يسود فيها حكم القانون يتساوى فيها الناس لكنى للأسف اري ان الحركة قبلت ببقاء دولة البشير القديمة وهو امر يتناقض مع قناعاتي، ولذلك لن استغرب ان يتحول الحركة الي شيطان آخر من داخل تلافيف هذا التحالف ليفعل نفس ما فعله الشيطان السابق ليدمر حياة أجيال قادمة من السودانيين، والمسؤولية في منع حدوث ذلك مسؤولية أجيالنا، ولذلك يجب علينا تحمل مسؤولياتنا بشجاعة او الانسحاب.
لقد كانت لي آمال عراض في أن تكون حركة تحرير السودان هي رأس الرمح لبناء سودان الحرية والسلام والعدالة الذى حلمت به أجيالنا، سودان تسوده المحبة وتظلله العدالة ويعيش سكانه في سلام مع بعضهم ومع الآخرين، غير أنني أرى الآن أن الحركة تنازلت عن مشروعها وضعف صوتها وخبأت جذوة التغيير عندها. وغني عن القول فإن تقاعست الحركة عن رؤيتها ومشروعها لن يعجز الشباب من السودانيين عن تقديم بديل آخر يجسد ويحقق لهم حلمهم في الحرية والحياة الكريمة، تلك هي طبيعة البشر وتوقهم الثابت نحو الحرية والكرامة، رغم ما اتاحته تضحيات الشباب من حرية!
قبل الختام اريد أن اوضح موقفي من الإنقلاب الأخير :
- أدين الإنقلاب بشدة وأرفض حكم العسكر ومليشياتهم الجنجويدية وهذا كان موقفي منذ الاطاحة برأس النظام ومن اوائل الذين اطلقوا شعار #لمتسقطبعد.
- إعلان حالة الطوارئ يشكل تقويض لفرص السلام والإستقرار بالبلاد وانتهاكا لحقوق الانسان.
- أناشد الرفاق الذين لا اشك في ثوريتهم وكافة الشعوب السُّودانية للخروج ومقاومة الإنقلاب سلمياً.
- أشدد على موقفي الرافض للإعتقالات التعسفية التي تمت وأدعو إلى ضرورة إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين.
- أدين السلوك البربري لمليشيات الدعم السريع والجيش في تعاملها مع المتظاهرين سلمياً ضد الإنقلاب من قمع وقتل وتعذيب.
- مع إرادة الشعب السوداني في تمسكها بالتحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة وأرفض بشدة مبدأ الإنقلابات وتدخل الجيش في الحياة السياسية.
في الختام ارجو ان تسمحوا لي أن أنتهز هذه الفرصة لأشكر الرفاق والرفيقات الذين عملت معهم او جمعتني بهم نشاطات الحركة وخاصة خريجي ” سلمي” وقتالنا لتحقيق اهداف مشروع التحرير العريض، والحق يقال أن الغالبية الساحقة منهم اشخاص جيدون لكنهم للأسف بلا قيادة.
ختاماً اتمني لكم التوفيق ولشعب السودان الخروج من معاناة الحرب والنزوح والتشرد وبناء دولة ال”حرية سلام وعدالة”.
لا يجوز الإختِيار بين الخير والشرِّ، لأنَّ الخيرَ يجب أن يُتَّبع..
حسين بشير هارون
الولايات المتحدة الأمريكية
27 أكتوبر 2021