قال الرئيس بايدن إنه معجب بشجاعة السودانيين في إصرارهم على أن يكونوا مسموعي الصوت مستنهضين لبلدهم ليمضي صوب الديمقراطية . وهذه مرته الثانية في أقل من شهر يطرى السودان بالخير. فأشاد في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنضال النساء السودانيات لدورهن الطليعي في ثورة السودان للديمقراطية. وفي هذا التمييز للسودانيين صدى من ١٨٩٨ حين قال تشرشل في “حرب النهر” إن الأنصار عرضوا في معركة كرري كبرياء رصيناً أمام قوة لا قَبل لهم بها.
وموكب اليوم عرض آخر لكبرياء السودانيين في وجه آلة عسكرية شاذة اجتمع فيها ما لا يجتمع في دولة وطنية حديثة. فصارت العسكرية فينا بسنامين، جيش ودعم سريع، ناهيك عن كتائب الفكة، مما لا يتفق تعريفاً في مثل هذه الدولة. فالدولة تعريفاً موكلة باحتكار السلاح في مؤسسة عسكرية واحدة. وهذا ما خرقته نشأة الدعم السريع كقوة مسلحة مستقلة في الملابسات المعروفة. وهذه بدعة استعجب لمثلها الشيخ علي التوم حين زار لندن في ١٩١٩ ضمن وفد الولاء السوداني لتقديم التهنئة لملك بريطانيا لنصره في الحرب العالمية الأولى. فأخذوه إلى حديقة الحيوان فرأى جملاً ذا سنامين. فاستغرب وقال لابد أن ركوبه غير مريح.
سيكون مفيداً أن نعرف كيف صارت الدعم السريع قوة نظامية إلا كأمر واقع. فليس من اللياقة أن يشكو البرهان لطوب الأرض من القوى المدنية التي تحرض على الفوضى والعنصرية وهو الذي “طَبّع” آل دقلو قوة نظامية مع نه لا يملك صرفاً ولا عدلاً في سلسلة قياداتها، ولا تدريبها، ولا في ضبطها وربطها، ولا في تمويلها. فحميدتي ليس قائدا لها في معنى قيادة ضابط في القوات المسلحة خاضع للنقل، والجزاء، والإحالة للمعاش. إنه بطريقها patriarch. فأذكر يوم أصيب بعض جنوده وزارهم في المستشفى ليشتكي، ودمعه يبلل عينيه، أنهم لم يردوا تحيته زعلا منهم لنقص ما منه. لقد ولدت الدعم السريع سفاحاً في بؤرة الارتزاق للمركز الذي وظفها “عرباً” ضد “زرقة” تحت سمع البرهان وبصره ولم تفتح العدالة الانتقالية ملفها بعد.
ولسنا نعرف عن تدريبها كقوة نظامية. والتدريب عصب المهنية العسكرية. فقال جي أم كويتزي، الروائي من جنوب أفريقيا، في “العصر الحديدي” إنه لم يمنع النظام العنصري في جنوب أفريقيا أن يهلك “الرفاق” (وهو ما كان يطلق على الشباب الذين صارعوه بقوة) عن بكرة أبيهم إلا أن قوات أمنه، مهما قلت عنها، استعصمت بالمهنية. فعصمها تدريبها دون ألا تبقى من الرفاق دياراً. فلا نعرف، ولا البرهان نفسه يعرف، كيف يتدرب الدعم السريع على أعراف ميدان القتال وخلقيته في القتل والأسر. فلا يدري المرء، إذا اعتبرنا تربصهم بالشباب الثوري ميدان قتال، من دلهم علي أن حلق شعور أسراهم من أعراف الظفر بالخصم. رزئنا منهنم بأشرار بلا أعراف ليس لهم من النظامية المجان، التي منحها البرهان لهم، سوى كسر التظاهرات أن لم يرتزقوا في اليمن. إنهم حالة قصوى من هرج السلاح وفجوره الذي يجلل البلد بالعار.
إذا زعم البرهان أنه القائد العام للجيش (أو الجيشين) فليتبين في يومنا هذا الذي سيخرج فيه شبابنا كأقمار الضواحي والمدن سلمياً لإبلاغ رأيهم في انقلابه علي الوثيقة الدستورية. فليحسن إليهم كما أحسن استضافة حشده المصنوع أمام القصر، أو كما حمى نظارات البجا وعمدها في الشرق وهم يقطعون الطريق كما رأينا. لم يحل يوم التظاهرة بعد ونزفت شهداء هم مصابيح الطريق في أيام وقفتها. لسنا نريد مزيداً من عبقهم. وسيعتمد ذلك على البرهان دون أي شخص آخر بما في ذلك حميدتي. وسنرى اليوم نسخته من “التراضي المتزن” مع شباب التظاهرات. وإلا سقط إلى الأبد في امتحان حماية البلد وأهلها التي قال إنها مسؤولية القوات المسلحة حصرياً.
لا تقتل الوردة الصبيي: الشفاتة والكنداكات والراستات والواقفين قنا. لن ترضي عنك ابنتك في البيت ولا التاريخ ولا الرب. واتفرج على شباب السودان في عرض تاريخي لكبرياء هو نحل الجد.