لم يدهشني خروج داعش والرايات السود من قلب الخرطوم بقدر ما أدهشتني دهشة الناطق الرسمي باسم الخارجية السيد علي الصادق، الذي كان يتحدث كأنه ينطق باسم خارجية غير خارجية السودان، وكأنه يكشف عن فساد لم يكن هو أحد أعمدته لربع قرن من الزمان !!!
كان علي الصادق جاحظ العينين كنعجة أفزعها قصف الرعود !!! لماذا لم يندهش سيادته كل ذلك الاندهاش عندما خرجت الدفعة الأولى من طلاب جامعة مأمون حميدة ميممة شطر بلاد الشام غازية في سبيل الله؟ لماذا صمت كل هذا الزمان ولم ينبس ببنت شفة حتى خرجت ابنته دون علمه وغادرت دون تأشيرة، وغادر معها آخرون تسللوا الي الطائرة عبر الأسلاك الشائكة دون المرور بصالات الركاب؟ أي دولة هذه التي يعمل فيها علي الصادق ناطقاً باسم خارجيتها، ويتسلل فيها الناس الي الطائرات بدون تأشيرة وبدون العبور عبر صالات المغادرة المعروفة ؟
إنّ دولاً مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال تشتعل فيها الحروب منذ سنين ولكن لم نسمع يوماً بأنّ أحداً قد غادر مطاراتها دون تأشيرة أو تسلل عبر جدران تلك المطارات ليصل الي الطائرة التي تحمله خارج البلاد ؟
إنّ ما يحدث في السودان لجد خطير فإما أن تكون الدولة فيه قد انهارت تماماً وأصبحت تديره شبكات إجرامية تفعل فيه ما تشاء، وإما أن يكون جهاز الأمن قد وضع الدولة كلها في جيبه وأصبح يديرها لمصلحته ، وفي كلا الحالتين فإنّ الوطن موعود باضطرابات لم يشهد لها مثيلاً من قبل !!!
إنّ العلاقة بين الإنقاذ وداعش وبوكو حرام والشباب الصومالي هي علاقة معقدة ومتشابكة، فقد رعت الإنقاذ شباب هذه الحركات المتطرفة وفتحت لها الجامعات السودانية حيث تمكنت من تجنيد كوادرها وخلقت علاقات متينة مع تنظيمات الحزب الحاكم وتغلغل كل طرف في الآخر حتى أصبح الفصل بينهما مستحيلاً ، وقد كان للعلاقة الأيديولوجية الأثر الأكبر في هذا التداخل.
كانت الإنقاذ تراهن دائماً على أنها المستفيد الأكبر من هذه الجماعات حيث كانت تبيع لها اسلحتها ثم تبيع أفرادها لأجهزة المخابرات الأجنبية ، كما كانت تستغل هذه الجماعات في أرهاب شعب السودان وتخويفه بها حتى لا يقوم بأي ثورة تزعزع الإنقاذ.
إنّ العلاقة العضوية بين هذه التنظيمات المتطرفة والدولة قد تجلت بوضوح في الصور التي جمعت بين شهيد جبهة النصرة محمد مأمون أحمد مكي والرئيس البشير ووزير دفاعه السابق عبد الرحيم محمد حسين، وقد جاءت الأحداث الأخيرة لتعزز هذه العلاقة حيث لا يمكن لعاقل أن يصدق بأن بنتاً في الثامنة عشرة من عمرها يعمل والدها ناطقاً رسمياً لوزارة سيادية يمكن أن تغادر مطار الخرطوم دون تأشيرة ودون مساعدة الأجهزة الأمنية لها، كما لا يمكن لعاقل أن يصدق بأن شخصين يتسللان عبر الأسلاك الشائكة ليصلا الي الطائرة دون علم أحد، فكل شخص سبق له أن سافر يعرف تماماً تشديد الإجراءات حتى سلم الطائرة ومطابقة كشف المسافرين قبل المغادرة !!!
إنّ هذا التفويج الذي يتم للمجاهدين السودانيين عبر مطار الخرطوم هو عمل منظم تقوم به الدولة وفاءاً لالتزاماتها الأيديولوجية مع داعش ولن يتوقف أبداً وكلما كانت أسماء المشاركين في الفوج لامعة كلما ارتفعت حواجب الدهشة !!!
ننتظر وصول الناطق الرسمي بصحبة ابنته وننتظر منه تصريحاً يشرح لنا فيه خروج ابنته بلا تأشيرة وننتظر منه تفسيراً لقبوله الاستمرار في العمل ناطقاً رسمياً في دولة لا يعلم فيها كيف تخرج ابنته منها بلا تأشيرة !!!