شباب يثلج الصدر، يتحدثون من دون تحضير، أو محاولة تزويق الكلام. شاب أطلّ عبر قناة الجزيرة، قال بالفم المليان: هذا انقلاب كامل الأركان، اعتقال للمسؤولين المدنيين، وعنف ضد المتظاهرين، وقطع للإنترنت، من أجل التعتيم الإعلامي، ويخرج الشعب بأسره إلى الشارع، ثم نجد التردد من بعض الدول الشقيقة.. نقول للجميع: لا عودة للبرهان مرة أخرى.
وفي الجانب الآخر، يفقد التوم هجو، الذي زج به في اتفاق سلام السودان بجوبا من أجل هذا اليوم، ليقول بملء فيه: هذا ليس الشعب السوداني.
طبعاً هذا دليل على فقدان البوصلة، فقد كان يمني نفسه بالوزارة، وهو يطالب في اعتصام بالموز: يا البرهان.. البيان.
لا يوجد أغبى من البرهان في هذا الكون، فقد حشد الجمهور والسياسيين المدفوعي الثمن في 16 أكتوبر، وجاءه ردّ الشارع هادراً في 21 أكتوبر، وكان هذا يكفي ليقيس ترمومتر الشعب، ومعرفة مزاجه، ولكن كما هي عادة الطغاة، غيبت عقله وتفكيره شهوة السلطة، فمضى في مغامرته إلى نهايتها، وأعلن الانقلاب تحت حجة واهية، أسماها “الإصلاح”.
ألم يدر البرهان أنّ هذا الجيل ليس ذلك الجيل الذي يقنع برطل الشاي والسكر، لأنه يعرف هدفه، وهو الذي عبر عنه شعار ثورته: “حرية.. سلام.. وعدالة”.
والمدنية التي ينادي بها الشعب، لا تتمثّل في أراجوزات يحركها العسكر، الذين يكسبونهم صفة كفاءات، ولكنها تتحدّد في عودة العسكر إلى مهامهم الرئيسة في الحفاظ على الأمن في داخل البلاد، وخارجها، ومن أراد منهم الدخول في لعبة السياسة عليه أن يخلع بزته العسكريّة، ويأتي بالبرامج التي تقنع الشارع، لعله يجد له موقعاً في الساحة السياسيّة.
وجاء سقوط البرهان المريع والسريع في حشده سواقط الكيزان من الداعشيين والنصابين الدوليين وطلاب الحركة الإسلاميّة الذين يعرفهم الشباب الثائر كما يعرفون أنفسهم، وقد ألبسهم ثوب الثورية، وفاته أنه لا ثوري يقبل عسكريّاً يمسك العصا، ويدعي أن الحقيقة الكاملة لديه، وأنه من يمنع ويمنح، بل جاء بمبررات فطيرة جعلته مصدراً للسخرية والاستهزاء، وهو يقول إنه يستضيف رئيس مجلس الوزراء الشرعي في بيته، طبعاً حاول أن يوهم من لا يعرفون أنه في بيته بالفعل، بينما كان حمدوك في بيت الضيافة، أي بيت الدولة السودانية.
البرهان لم يكن يرى في عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، ووزير مجلس الوزراء خالد عمر يوسف (سلك)، والمتحدث باسم قوى الحرية والتغيير جعفر حسن، وعضو لجنة إزالة التمكين وجدي صالح، وغيرهم، سوى ناشطين سياسيين، فهو لا يعرف أن الناشط السياسي هو من قاد الثورة، وهو من دفع الثمن، وضحى بحياته، حتى يأتي هو ولجنته الأمنية في واجهة المشهد السياسي مكرهين.
إن الشارع السوداني اليوم يعرّف العالم كله ويؤكد له أنه مختلف، وأنه لا مجال لتكرار أي تجربة لأي دولة، وسيتعامل مع كل الدول والشعوب وفق مصالحه، وتبعاً لمواقفها من نضالاته.
إن الشعب ماضٍ في إزالة التمكين، وتفكيك نظام يونيو 1989م، وحريص على محاكمة كل من أوغل في دم أبنائه، ليكون في المكان الذي يستحقه، وهو مزبلة التاريخ، إلى جانب القصاص بالقانون، لا بالبلطجة، كما يريد البرهان أن يفعل بالمسؤولين، الذين ألقى بهم في المعتقلات.