التحية للسفراء الشرفاء الذين ادانوا الانقلاب
لاول مرة يعقد قائد انقلاب عسكرى فى السودان أو في أي بلد من بلدان العالم الثالث مؤتمرا صحفيا دون أن يظهر وراءه شعار الدولة أو علمها أو حتى أى من الصحفيين الذين حضروا سوى أصواتهم التي تأتى إلينا من الخلف دون أن نرى أحداً و كأن هذا المؤتمر يعقد فى ملعب للجولف فى أحد الاحياء النائية، كما اننا لم نسمع سؤالا واحدا يعالج ((جوهر القضية)) كما يقول زعماء الحركات المسلحه وساسة المسارات فى الشمال والشرق والوسط، فجذور المشكلة أن قائد الجيش عبدالفتاح البرهان ونائبة الحالم فى التيه محمد حمدان دقلو “حميدتى” قائد قوات الدعم السريع و هو الجيش الموازى للقوات المسلحة خططا بعجل و دون دراية أو إدراك لعملية انقلابية أقل ما يمكن أن يقال عنها انها مضحكة ولن تصمد طويلا أمام الرفض الشعبى والتنديد الاقليمى والدولى الواسع.
لاول مرة يعقد مؤتمر صحفى انقلابى دون أن تقدم فيه جملة مفيدة أو معلومه جديدة سوى أن رئيس الوزراء ((المعتقل)) فى ضيافة قائد الانقلاب فى منزله هو و زوجتة “تأمينا له و حرصا على سلامته” و حمدا لله أنه لم يقل أنه وضع فى “بيوت الاشباح” التى تديرها وتشرف عليها ميلشيا الجنجويد بزعامة حميدتى كما حدث مع بقية المعتقلين من أعضاء مجلس السيادة “المكون المدنى” و الوزراء وقادة العمل السياسى، والقضية فى جوهرها “شخصية” أحدث بلبلة بين العسكريين والمدنيين ومكونات المجتمع.
لاول مرة فى تاريخ السودان يكرر قائد الانقلاب فى بيانه الاول الاستجابه لكل مطالب الفلول وجماعه قاعة الصداقة و اعتصام القصر بحذافيرها و المتمثلة فى حل مجلس السيادة و الوزراء وتجميد العمل بالوثيقة الدستورية وحل لجنة ازاله التمكين واسترداد الاموال المنهوبة وايقاف حتى لجنة أديب التى تحقق فى جريمة فض اعتصام القيادة العامة وسفك دماء الشهداء و اغتصاب الحرائر وحرق الخيام و القاء الثوار فى مياه النيل موثقه اقدامهم بالكتل الاسمنتية.
لاول مرة تنطلق الاصوات الشريفة لسفراء السودان فى العديد من عواصم القرار لتعلن رفضها المطلق للمحاوله الانقلابية البائسة، و التحية و التقدير للدبلوماسى القدير و الأخ الصديق د. نور الدين ساتى سفير السودان فى واشنطن على ابتدارة هذه المبادرة الجسورة و الشجاعة التى لحقت بها بقية السفارات و تلاها بيان وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدى إلى وزراء خارجية العالم عن الرفض التام لهذا الانقلاب و مقاومته بكل الاساليب المدنية و الطرق السلمية مع تحميل البرهان و حميدتى مسئولية سلامة المعتقلين من الوزراء و السياسيين و التحية لسفيرنا بالدوحه عبدالرحيم الصديق.
لاول مرة يقف العالم على “رجل واحدة” مدينا بأقوى العبارات الانقلاب العسكرى فى السودان و تدعو ست دول راكزة لعقد جلسة طارئة لمجلس الامن الدولى لبحث العبث العسكرى الذى يحدث فى السودان مع وقف فورى للمساعدات الماديه من امريكا و الاتحاد الاوروبى و البنك الدولى.
لاول مره تغيب عن المؤتمر الصحفى الذى عقد بمقر اقامة البرهان بالقيادة العامة “الاسئلة الحارقة” عن مصير هيكلة القوات المسلحة و الدعم السريع و الحركات المسلحة، كما غاب السؤال عن مصير جبريل ابراهيم و اركو ميناوى فى التشكيلة الجديدة للحكم التى يعمل على طهيها البرهان و حميدتى و فصائل الانقلابيين من العدل و المساواة و حركة تحرير السودان.
لاول مرة تأتى كلمه السابق أمام رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك الذى نعترف أنه رجل دولة من الطراز الاول يتسم بالحكمة و المعرفة و الرؤية و الدراية، و اعتقد جازما أن التمسك بحمدوك هو تمسك بمدنية الدوله و ديموقراطيتها فالرجل يتسم بالرزانة و الصبر على حماقات العسكريين و قصر نظرهم، و إن خسرنا حمدوك الذى يحترمه العالم و يكن له التقدير فاننا سنكون قد خسرنا الكثير.
لاول مرة و منذ عامين تجدد ثورة ديسمبر الباذخة جسدها الفتى و تخرج الجماهير الثائرة إلى الشوارع و تعلن العصيان المدنى حتى تسقط هذه الالعيب الصبيانية التى تعبث بقدرات الوطن، فالصمود الذى يبديه الشباب و الكنداكات و لجان المقاومة و جميع قطاعات الشعب السودانى و سلميتة و هو ما دفع بالدول الشقيقة و الصديقه و المنظمات الدولية و الاقليمية لردع الطغيان و ادانه الاستبداد حتى تعود المياه إلى مجاريها.
لاول مره و منذ انتصار ثورة الشعب تعود إلينا الصور الشائهه و الكريهه لملشيات الجنجويد للاعتداء بالضرب و الاهانه للطلاب و الطالبات فى داخلياتهم السكنية و حلق رؤوسهم و الالقاء بهم فى الطرقات، و تلك الصور الشائهة عهدناها فى عهد المخلوع البشير و بتوجيهات على عثمان و نافع على نافع، و يتناسى الانقلابيون الجدد أن أمن الطالبات و حمايه ارواحهن و اعراضهن و ممتلكاتهن واجب و فرض عين على الجهات النظامية و الامنية.
لاول مره اكون على ثقة كبيرة ويقين تام أن المحاولة الانقلابية الحمقاء و اليائسة و الفقيرة لن يكتب لها النجاح و سيكون مصيرها الخذلان و الفشل لانها ببساطة ضد ارادة الشعب و ضد التضحيات الشامخة و الجسورة التى قدمها الشهداء و الجرحى و المفقودين فداء للديموقراطية و التحول المدنى، و ما حدث يمثل بكل المقاييس انتكاسة و حماقة لا تغتفر بعد معاناتهم الطويلة مع الانظمة العسكرية على امتداد اكثر من ستين عاما من عمر الاستقلال.
لاول مرة يخرج الشعب السودانى الجسور مثلما خرج فى الحادى و العشرين من اكتوبر لتتريس الشوارع و اشعال الاطارات معلنا العصيان المدنى و متحصنا بالسلمية التى قهرت أعتى الديكتاتوريات الشموليه و شاهرا شعاره الاصيل “حرية سلام و عداله .. مدنية خيار الشعب” .. و المجد للآلاف تهدر فى الشوارع كالسيول و الخلود للشهداء و العودة للمفقودين و الردة مستحيلة.