خرجت الجماهير في مسيرات كبيرة في العديد من مدن السودان تؤكد على ” الدولة المدنية الديمقراطية” و ترفض الإجراءات التي قام بها القائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية الفريق أول عبد الفتاح البرهان. و لابد من التأكيد أن إصلاح العملية الديمقراطية يجب أن يتم بأدوات الديمقراطية، و استخدام أدوات أخرى غير الأدوات الديمقراطية تكون خروجا على الديمقراطية مهما كانت المبررات. والتحدي الذي يفرض نفسه على العقل السياسي السوداني بعد كل هذه المسيرات كيف الخروج من هذه المعضلة؟
و يجب الانتقال من توصيف الحالة إلي كيفيفة معالجة الأزمة، و ما هي المطلوبات لذلك الحل.إذا نظرنا إلي ردة الفعل العالمية على قرارات البرهان، نجد هناك اتفاق للرجوع الحكم المدني، و إطلاق سراح المعتقلين، و السير بالشراكة لنهاية الفترة الانتقالية، و أحترام الوثيقة الدستورية، نجدها ردود فعل تتوافق مع ثقافتهم الديمقراطية.
لكن أيضا هناك مطلوبات تحتاج لشرح. حيث طالب الرئيس الأمريكي جو بايدن السلطات العسكرية بالسماح للشعب السوداني بالاحتجاج و إعادة الحكومة المدنية. لقد مر الطلب الأول للرئيس الأمريكي بالخروج في مسيرات بعد خروج المسيرات في أغلبية من السودان. و يبقى الطلب الثاني ” إعادة الحكومة المدنية” و هو الطلب الذي لم تفصل فيه الإدارة الأمريكية، حول الحكومة المدنية، إذا كان رجوع حكومة حمدوك بصورتها الكاملة التي كانت عليها قبل يوم 25 أكتوبر، أم تعيين حكومة مدنية. و أيضا ما قاله سفير دولة بريطانيا بعد إدانته للانقلاب و قال هي إجراءات غير شرعية، و يجب إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين.
لكنه أيضا قال مازالت هناك فرصة للحوار و مازال أمام السودان فرصة لتحقيق شعار الثورة في الحرية و السلام و العدالة. أيضا لم يدخل في تفاصيل عودة المدنية. لكن الدكتور إبراهيم الأمين نائب رئيس حزب الأمة قال، إن هناك شروطاً لقوى الحرية و التغيير.
وقال عودة حمدوك لمباشرة عمله و ليس تعيينه من قبل البرهان، باعتبار أن حمدوك قد تم أختياره من قبل ” ٌق ح ت” و يجب أن يظل بذات التعيين الأول. و لكنه لم يتحدث عن بقية أعضاء الحكومة، هل رجوع هؤلاء يكون ضمن الحوار الذي تحدث عنه وتحدثت عنه أمريكا و بريطانيا، أم خضوع لمساومة سياسية أخرى.السؤال موجه للنخبة السياسية السودانية، و حتى المفكرين والمثقفين السودان، كيف يكون الخروج من هذه الأزمة بعد ما قال الشارع رأيه فيها؟
الواقع قبل الانقلاب كان مأزوما حسب مبادراتي رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، و لكن مبادرتيه وقفتا في محطة لم تستطيعا تجاوزها، الأمر الذي جعل هناك خلافا داخل القوى المدنية، لم تستطيع الأحزاب معالجته، ثم جاء انقلاب البرهان ليخلق واقعا جديدا في سلسلة الأزمات في البلاد. الأمر الذي يتطلب من تلك المجموعات أن تفكر بعمق كيف الخروج منه؟ أن خروج الجماهير في يومي 21 – 30 أكتوبر أكدت على ” الدولة المدنية الديمقراطية” ألتي أصبحت أرضية يجب أن تنطلق منها أي مبادرة سياسية للوصول لحل سياسي يجنب البلاد الحروب و النزاعات. و أن خروج الجماهير يؤكد أن ميزان القوى في مصلحة الشارع لكن الشارع يحتاج لأدوات فاعلة و قوية لكي تستطيع أن تفرض شروطها على الواقع.
فهل الأحزاب قادرة على أن تحقق ذلك و هي في حالة من التنافر و الخلاف؟ هذا السؤال تجاوب عليه النخب المنتمية بتياراتها المختلفة، باعتبار أن غياب الجماهير في الشارع يتطلب وجود أدوات قوية ” أحزاب و مؤسسات مجتمع مدني” تخلفها و تمارس دور الضغط و التفاوض لتحقيق الأهداف. أما إذا كانت تعتقد إنها سوف تنتظر دورا خارجيا أنها سوف تنتظر طويلا لآن الدور الخارجي لا يحدث تغيير لكنه يمارس ضغطا على السلطة فقط. خاصة أن القارة الأفريقية تشهد حالة من التنافس الساخن بين الدول ” أمريكا – أوروبا – الصين – روسيا” و هذا التنافس هو الذي يقدم هامش للمناورة للنظم السياسية، و لابد أ،ن يشتغل العقل السوداني و يترك حالة الركود إلي الفاعلية المطلوبة. و نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com