انقلاب برهان هذا من أغبى الخطوات التي يمكن توقعها من عسكري. وهي عبارة عن قفزة في الظلام. لقد استدعته قوى الهبوط الناعم (مقابلة إبراهيم الشيخ مع الجزيرة وناجي الأصم في إسكاي نيوز قبل حوالي يومين من الانقلاب) كيما يقوم بهذا الانقلاب لإنقاذهم من ورطة الفشل التي أوجدوا أنفسهم فيه. لقد كادوا أن يعترفوا بفشلهم على رؤوس الأشهاد، ثم لم يبقَ لهم غير أن يفعلها البرهان وحميدتي فيصنعا منهم أبطالا بلا استحقاق. وقد فعلها الرجلان ولا يخافان عقباها.
في رأيي أن الانقلابيين سوف يدخلون في مفاوضات مع حمدوك وقوى الهبوط الناعم بوساطة اليونيتامس ذلك على أم أن يصلوا إلى حل وسط. هذا هو المخرج الوحيد الذي أراه أمام العسكريين وهو بمثابة شريان حياة لهم، بقدر ما هو قتل وذبح للثورة، ولكن هيهات. بخصوص حمدوك، فإن أخشى ما نخشاه هو أن تقوم اليونيتامس والمجتمع الدولي بتحديد المخرج له وهو الحوار مع العسكريين. ولا ينبغي أن ننسى أن هناك لجنة وساطة تعمل (يقال من بين أعضائها محجوب محمد صالح قاسم بدري والشفيع خضر، هذا على أمل الاستوثاق)، ومسألة التفاوض والوصول إلى حل وسط كان هو نفسه ما ذكرته مريم الصادق أمس لبعض القنوات. وكما نعلم جميعا، بخصوص قوى الهبوط الناعم، فالمحاور الإقليمية كفيلة بأن تحدد لهم ما ينبغي أن يفعلوه. وليس أدل على ذلك مما صرحت به مريم الصادق.
هذه هي خطة الثورة المضادة التي ينبغي الحب لها. وعلى جميع قوى الثورة أن تحدد موقفها من شعارات الثورة المطالبة بالمدنية وسقوط العسكر ثانيا وثالثا ورابعا. وعلى رأس المطالَبين بتحديد موقفهم هو حمدوك نفسه. فإما هذا أو السقوط النهائي الذي لن تأتي بعده قومة إلا يوم القيامة.
ولعله مما يزيد في هبوب رياح الثورة وملئها لأشرعة الثوار هو الأنباء غير مؤكدة التي تقول بأن الجيش لم تتحد كلمته وراء قيادته الجنجويدية. فهذه الأنباء تشير إلى أن هناك تذمرا كبيرا داخل الجيش من الخطوات التي قام لها برهان، بما في ذلك عدم تأييد بعض العسكريين من أعضاء مجلس السيادة، بما جعل برهان يعتمد على مليشيات الجنجويد لمواجهة الجيش وربما لاعتقال ضباط في الجيش. إذا صحت هذه الأخبار، فهذا قد يفتح الباب أمام حميدتي للانقلاب ضد برهان بمثلما انقلب على ولي نعمته البشير من
Who did it once, can do it twice إلا أن هذا سوف يزيد من عزلته. فحميدتي ظل، كما لا يظل، بمثابة البطة العرجاء منذ الإطاحة بالبشير. إلا أن هذه الخطوة سوف تعقد من وضعه أكثر وأكثر، ذلك لأنها سوف تؤدي إلى تقوية الصوت المنادي بالمدنية مقابل الدور العسكري. وهذا التيار يتوجب عليه التخلص من المليشيات قبل أن يدخل مرحلة إصلاح القوات النظامية.
وفي كل الأحوال، يبقى هذا الانقلاب بمثابة قفزة في الظلام. هذا خاصةً أن نَفَس الثورة لا يزال عاليا بخلاف ما كان عليه الحال في ثورتي أكتوبر 1964م أبريل 1985م، حيث خمد نفس الثورة بمجرد السقوط السياسي للنظامين العسكريين.
هذا الأمر يحتم على قوى الثورة أن تواصل المشوار تحت القيادة المزدوجة لتجمع المهنيين ولجان المناهضة، بدءا بمواصلة المظاهرات وعمليات التتريس، ثم تنظيم الإضرابات وصولا إلى العصيان المدني. وهذا يعني أن العصيان المدني هو جماع الأنشطة السابقة، ما يعني أنه تراكم للمسيرات والاعتصامات وعمليات التتريس والإضرابات. فالعصيان المدني هو القاضية الفنية وهو سدرة منتهى الثورة من حيث الإطاحة السياسية لتتدخل الثورة مرحلة أعلى من الوعي تتعلق بكيفية إدارة المرحلة الانتقالية بمنهج ثوري ورؤية ثورية.
عليه، ينبغي الحذر كل الحذر من الدعوة إلى العصيان المدني بوصفه خطوة أولى، ولنتذكر فشل عصيان 2016م الذي ضخ دماءً جديدة في عمر نظام الإنقاذ (1) البائد.
ختاما، نذكر بما قلناه في مقالنا السابق عن ضرورة أن يقوم تحالف تجمع المهنيين ولجان المناهضة، ليشرعا فورا في تشكيل المجلس الثوري التشريعي، بجانب تشكيل حكومة ظل … إلخ.
*MJH*
الخرطوم – 31 أكتوبر 2021م