أعجبتني عبارة خلال يوم المليوينة فيها نباهة وجسر لفهم أفضل للردة المستحيلة التي تحدق بنا.
كان ضيوف الجزيرة أكثروا خلال اليوم من الشكوى من سياسات قحت التي ساقت البلاد، في قولهم، إلى “انسداد الرؤية”. فلما بدأ أحد الضيوف بهذا الزعم قال له المذيع: “دعنا من هذا. فهذه وجهة نظر. أجب على سؤالي”. والحق أن القول بانسداد الرؤية هي رأي في الثورة التي جاءت لتخرج بالبلاد من نفق الإنقاذ المسدود. ولم يقف أهل الرؤى هؤلاء عند الرأي، بل ضرجها كثيرهم بالدم، أو جلس فراجة على ذلك التضريج، لكيلا تقوم لها قائمة متشبثين بأهداب حكم استنفد نفسه. فليس منهم المأذون اليوم بمحاضرتنا عن الرؤية.
ليس لأي من الذين يطنون ب”انسداد الرؤية” سابقة في الرؤية البديلة. لزموا فروة البشير كابراً عن كابر وقد ادلهمت الرؤية في دولة البطانة: سمعاً وطاعة سيدي. وحتى المؤتمر الشعبي، بيده الطولى في المعارضة بما ربما فاق أحزاباً في قحت نفسها ألقى، منهكاً، برؤيته الشجاعة على قارعة الطريق بذريعة “المنظومة الخالفة” التي لا يعرف أحد معنى لها إلى يوم المسلمين هذا. وكانت هذه الذريعة إعلاناً من أهله عن تنازلهم عنها ليصيروا عالة على رؤية المؤتمر الوطني يراوحون عندها لا يبغون حولا. فأخذتهم صرعة “حوار الوثبة” وهبطوا من علياء رؤيتهم المعارضة للبديل إلى مجرد تضمينها ك”توصيات” للمؤتمر ترفع للسيد الرئيس. ولم يجف حبر تلك التوصيات بعد حتى اشتكت أحزاب في الحوار (٤٢، يقلون في الفزع) من أن إدارة الحوار قد زورت توصياتهم حول انتخابات ٢٠٢٠ التي الرؤية قبلها مزورة وبعدها مسدودة جداً.
لقد صبر الشعب على انسداد رؤية الإنقاذ دهرا طويلاً ولم يجد من زاعمي “انسداد الرؤية” رؤية ولا عزيمة عليها. وثار. وفجأة خرج علينا من الجماعات السياسية المدنية والعشائرية من يزين لنفسه أنه امتلك رؤية ستغير ما بنا. تأخرتم. ومن تأخر في هذه الساحة استحال عليه استدراك ما أضاعه من جرجرة أقدامه. وسبق الشعب إلى الثورة وهي أم الرؤى: مدنية وديمقراطية وعدالية من فوق مساءلة منقطعة النظير لمن خان الأمانة فيه، وأدمن الخيانة.
https://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2015/12/3/
IbrahimA@missouri.edu