أسقط انقلاب البرهان المشؤوم ورقة التوت التي كان يتستر بها خصوم الثورة من الفلول والمتكوزنين وذوي الحس الوطني الخامل أو الغائب، ولأنهم ببغاوات عقولها في آذانها فقد صاروا يرددون مقولة البرهان بأنه فقط يريد تصحيح مسار الثورة، ولا يعنيهم في شيء أن حراميها لا يمكن ان يكون حاميها، ولا أن البرهان دخيل على الثورة، ولم نسمع له حساً طوال ال30 سنة التي قضاها يطبل ويزمر لعمر البشير، وله أقوال موثقة بالصوت والصورة وهو يقول ان مليشيا الدفاع الشعبي التي كانت مكلفة بحراسة نظام البشير هي السند الأصيل للجيش الوطني، وهو ما يقوله اليوم عن مليشيا الدعم السريع.
لا يجد معظم خصوم الثورة والتغيير في أنفسهم الشجاعة لإعلان تأييدهم الصريح للانقلاب، واتخذوا من قوى الحرية والتغيير (قحت) حائطا قصيرا، وصاروا يرددون كيف ان قحت والقحاتة (القحاطة) فشلوا في إدارة شؤون البلاد، وبهذا يلمحون الى ان العسكر سيكونون ناجحين في هذا الشأن، ولا شك في أن الحكومات التي تشكلت بعد إزاحة البشير من المشهد كانت كسيحة ومترنحة وكثيرة الفشل، ولكنه فشل وكساح وترنح يجلس العسكر على قمة هرمه، بل وتسببوا فيه، وهناك العويل المتكرر عن المحاصصة لأن الحكومة صارت تضم حزبيين، وهي فعلا كذلك، ولكن من رفض مبدأ حكومة الكفاءات وأتى بالمحاصصة هم من أتوا على قارب سلام جوبا، الذين فازوا ب 25% من حقائب مجلس الوزراء، ورغم ان غالبية انصار الثورة ترفض تقاسم المناصب العليا على أساس حزبي، إلا أنه لا يغيب عليها ان هناك مناصب كبيرة لا علاقة لقحت بمن يشغلها، أعني: رئيس مجلس السيادة ونائبه ووزراء الدفاع والداخلية والمالية والمعادن والبنى التحتية والثروة الحيوانية، ومني مناوي وحده يحكم خمس ولايات، والجيش والشرطة والدعم السريع وسبع جيوش أخرى والأمن والمخابرات جميعها خارج بيت طاعة قحت وحكومة حمدوك
ولا أحسب ان هناك جندياً من جنود الثورة الحقيقيين كان راضيا عن أداء قحت منذ مرحلة توقيع الوثيقة الدستورية، فقد كان أداؤها مهتزا ومرتبكا ومضطربا بل ومتهافتا، ولكن ليس من حق البرهان وأتباعه والببغاوات التي تردد أكاذيبه البت في أمر قحت، فهذا شأن يخص من صنعوا الثورة، ومحاسبة قحت حسابا عسيرا ضرورة واجبة، ولكنها ليست قضية الساعة، فالأولوية اليوم للخلاص من البرهان وزمرة الطغيان والعصابات الاجرامية في أجهزة الدولة وبعدها “الحساب ولد”
وتسونامي 30 أكتوبر لم يكن لمساندة قحت او حتى رئيس الوزراء الأسير عبد الله حمدوك، بل دفاعا عن مبدأ مدنية الدولة، وتنسيقيات لجان الثورة والتي صارت المبادرة بيدها الآن عازمة على نقض غزل الانقلابيين، ثم تنظر بعد ذلك في أمر الحاضنة السياسية، بل حتى في أمر الوثيقة الدستورية التي صارت قميص عثمان عند كل طرف
محاسبة قحت أمر مؤجل ولكنه حتمي، ولن يحاسبها إلا شباب الثورة وكنداكاتها الماجدات بعد تحقيق شعار الثورة الجديد: 30 أكتوبر= برهان في كوبر