في 6 إبريل 2019 ذهب آلاف الثوار الى القيادة العامة لجيشهم داعين له للانضمام الى جهدهم لإسقاط نظام عمر البشير والكيزان، فكان رجال الجيش الحقيقيون عند حسن الظن وشوهد المئات منهم يلتحمون يوميا بمن اعتصموا امام القيادة، ومنهم أمثال حامد عثمان الجامد ومحمد صديق الذين رفعوا السلاح للدفاع عن الثوار الذين اعتصموا في حرم القيادة، وجاء عوض بن عوف ليحل محل البشير، فرفضه جمهور الاعتصام، ووجدها عبد الفتاح البرهان فرصة سانحة وغدر بابن عوف وجلس مكانه، وقد أثبت ابن عوف انه شخص يحترم نفسه فقد انسحب من المشهد بهدوء فور إدراكه انه مرفوض جماهيريا، بينما البرهان يسفك الدماء كي يبقى في قصر الحكم بلا منافس
وتشير أقوال وأفعال البرهان أنه لا يفهم ولا يحترم الإرادة الشعبية، فكيف لرجل قفز بصعوبة الى عربة الفرملة في قطار الثورة وهو يدخل محطته الأخيرة أن يحسب انه قادر على سرقة ثورة شعب أو أن يجعل الشعب يركع له بقوة السلاح؟ هل يحسب ان موكبي 21 و30 أكتوبر كانا لتأييده أم يحسبها فورة زبد سرعان ما تهمد؟ كيف له ان يحسب ان شعبا ظل في الشارع يوميا ما بين 15 ديسمبر 2018 و3 يونيو 2019 ثم لم ينقطع عن رفع رايات ثورته بعدها أن يستكين له وهو بلا سند حقيقي سوى في صفوف مليشيا الجنجويد؟ هل يحسب ان الفهلوة التي ظل يمارسها وزعمه المتكرر “سنحافظ على الشراكة مع المدنيين”… و”الجيش يحمي الفترة الانتقالية ولن ينقلب عليها” ستنطلي على الثوار الشرفاء؟
ثم يغدر برئيس الحكومة ويحتفظ به رهينة في بيته ويزعم ان ذلك لضمان سلامته!! سلامته ممن؟ هل هناك مصدر خطر على الرجل سواك انت وصحبك الدمويين؟ وما زال البرهان يحتجز العشرات من كبار المسؤولين والسياسيين ليستخدمهم “كروت” عند المساومة لتحقيق أهم اهداف انقلابه: مزيد من الصلاحيات في ديوان الحكم للعسكر وشخصه والحصانة من المساءلة في جريمة فض الاعتصام (وفات عليه ان انقلاب 25 أكتوبر في حد ذاته جريمة كبرى لا سبيل لإسقاطها)! وكأنه يقول: الحرية للمعتقلين مقابل كذا وكذا لي؛ وقد ظل البرهان يساوم حمدوك طوال عدة أيام كي يحقق عبره جوانب من غاياته لعلمه أن حمدوك مقبول شعبيا، ويقوم الآن بتحريك الوسطاء والمبادرات للخروج من الحفرة التي حفرها لنفسه.
نقلابا!! طيب، لماذا جميع قراراتك باسم القائد العام للجيش؟ بأي حق يقوم قائد الجيش بإنهاء خدمات العشرات وتعيين غيرهم في وظائف قيادية؟ فلو كان يفهم في أمور الحكم والسياسة لسارع بتكوين مجلس عسكري او سيادي يتولى إصدار الفرمانات، وبلغ سوء النية والطوية بالبرهان أنه يخفي مكان احتجاز رهائنه، فقد بحث عنهم وفد يتألف من عشرات المحامين ولم يجدوا من يعلم بأمرهم بين رجال النيابة والتحقيقات الجنائية، رغم زعم البرهان ان بعضهم يخضع للتحقيق العدلي، وتجلت نزعات الغدر عنده عندما أعلن في 29 أكتوبر الماضي انه لن يعترض مسيرات 30 أكتوبر ولكن ما ان بدأ المشاركون فيها في الانفضاض حتى انقض عليها الذئاب وأمطروهم بالرصاص الحي (لم يقتصر استخدام الرصاص على ام درمان وشارع الستين فقد بدأت تتسرب تفاصيل أحداث دموية كان ضحاياها ثوار شرق النيل وبعودة الإنترنت ستظهر المزيد من الأدلة الدامغة على تلك الأحداث)
بانقلابه الأرعن لم تسقط حكومة حمدوك بل سقط البرهان وسيخرج من المشهد ومعه ساعده الأيمن حميدتي تحقيقا لشعار الثورة: يا عسكر ما في حصانة يا المشنقة يا الزنزانة.