فيما كان شعب السودان يدق مسمارا كبيرا، بمليونيات ٣٠ أكتوبر ٢٠٢١، في نعش الإنقلاب الذي قاده الفريق عبد الفتاح البرهان بمشاركة أعضاء (المكون العسكري) توالت الإدانات الدولية، وفي صدارتها موقف أميركي لافت ،وغير مسبوق في تاريخ المنطقة، جاء على لسان الرئيس جو بايدن .
وهاهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية ،ودولة الإمارات العربية المتحدة، تخطو خطوة غير مسبوقة، في هذا الشأن.
الدول الأربع أصدرت بيانا مشتركا ، اليوم ٣ نوفمبر ٢٠٢١ (طالبت فيه بعودة الحكومة المدنية الانتقالية ومؤسساتها فوراً، وتعاون الجميع وتوحيد المواقف للوصول إلى هذا الهدف الهام ).
البيان الذي أعلنته الدول الأربع في توقيت متزامن أكد (وقوفها مع الشعب السوداني وتطلعاته نحو الديمقراطية وتحقيق السلم، بعد أن أكدت مظاهرات 30 أكتوبر على عمق التزام الشعب السوداني بتحقيق التقدم في ما يخص المرحلة الانتقالية)، وشددت على (الاستمرار في دعم هذه الآمال).
واشنطن ولندن والرياض وأبوظبي (أعربت عن مشاركتها قلق المجتمع الدولي حيال الوضع في السودان، مطالبة بعودة الحكومة المدنية الانتقالية ومؤسساتها فوراً، وتعاون الجميع وتوحيد المواقف للوصول إلى هذا الهدف الهام).
وجاء في البيان( نشجع إطلاق سراح كل من تم احتجازهم في ظل الأحداث الأخيرة وإنهاء حالة الطوارئ المفروضة على البلاد ، ونؤكد على أنه لا مكان للعنف في السودان، لذا، فنحن نشجع الحوار البناء بين جميع الأطراف ونحث على النظر إلى سلامة وأمن الشعب السوداني كأولوية قصوى).
الرباعية (أكدت أهمية الالتزام بالوثيقة الدستورية واتفاق جوبا للسلام كمرجعيات أساسية للعودة إلى الحوار حول استعادة الشراكة الحيوية العسكرية – المدنية خلال ما تبقى من المرحلة الانتقالية، وقبل الانتخابات،).
ورأت أن (ذلك من شأنه مساعدة السودان للوصول إلى استقرار سياسي وتعافٍ اقتصادي لتمكينه من الاستمرار واستكمال المرحلة الانتقالية بدعم من الأصدقاء والشركاء الدوليين).
أهمية البيان لا تقف في حدود أهمية موقفي واشنطن ولندن ،وهو معلن ومعروف،لكنه يشكل تطورا واضحا في موقف السعودية والإمارات بشأن الوضع الراهن في السودان .
الموقف (الرباعي) يعني أن دوله تدعم خيار الشعب السوداني وتحترم خياره.
البيان يعني أن لا مظلة سعودية إماراتية للانقلابيين،وهذه خطوة مهمة،اذ كان انقلابيو السودان وحلفاؤهم يتطلعون إلى دعم سعودي إماراتي .
أرى أن الرياض وأبو ظبي ، بإصدار هذا البيان -الذي أراه يشكل لطمة للانقلابيين – قد قرأتا بعين فاحصة نبض الشارع السوداني، وأدركتا أيضا أن عناصر من نظام وحزب الرئيس المخلوع عمر البشير يشاركون في الانقلاب على الفترة الانتقالية.
هذا يعني أن للسعودية والإمارات مصلحة في الانحياز لنبض الشارع السوداني وعدم عودة من تصفهم العاصمتان ب(متشددين وارهابيين)، أي أن هناك مخاوف أمنية ،هذا فضلا عن تأثير التنسيق الأميركي البريطاني مع البلدين الخليجيين في هذا الشأن.
المأمول أن تتخذ الدوحة والكويت والمنامة ومسقط موقفا موحدا ينحو في هذا الاتجاه،اذ لا توجد منطقة وسطى،إما دعم الانقلاب ،أو الانحياز لنبض الشعب السوداني.
في هذا السياق بدا واضحا أن الضغط على الانقلابيين قد اتسعت دوائره ،ولا خيار أمامهم الا الغاء قرارات الانقلاب، والا فان مناخ الانتحار السياسي الذي أدخلوا أنفسهم فيه سيخنقهم ويقضي عليهم.
لا أعتقد بأن أية دولة خليجية ستتخذ موقفا مناهضا لموقف (الرباعية) و مصادما لموقف واشنطن ولندن والأمم المتحدة.
كتبت في مقال بتاريخ ٢٩ أكتوبر ٢٠٢١ مقالا بعنوان (الانقلابيون نحو سقوط ..هبة سبتمبر ترسم المشهد.. ورسالة إلى الخليج) ورأيت فيه أن الانقلابيين نحو سقوط ،وقلت ان موقف دول مجلس التعاون الخليجي تجاه الانقلاب معقول،ودعوتها إلى تطويره.
البيان الرباعي يؤكد تطورا في موقفي السعودية والإمارات،ولهذا أحيي قيادتي البلدين، كما أحيي موقف واشنطن ولندن.
المحك الآن ،كيف سيرد الانقلابيون على موقف الدول الأربع التي دعت إلى (عودة الحكومة المدنية الانتقالية ومؤسساتها فوراً).
اذا كان البيان دعا إلى(تعاون الجميع وتوحيد المواقف)فانني أرى أن الخطوة الأولى هي أن يلغي البرهان قراراته الانقلابية،اذ أن الكرة في ملعبه وبقية الانقلابيين.
أرى أيضا أن البيان الرباعي يعني اعتراف الدول الأربع بمليونية ٣٠ أكتوبر ٢٠٢١ ،أي بدور الشارع،وأعتقد بأن الشارع لن يوقف حراكه الثوري، السلمي،لاستكمال اسقاط الانقلاب.
أدعو قوى الثورة والتغيير الرافضة للانقلاب أن تتعامل مع البيان الرباعي بايجابية ،وتنوه به ، وتعتبره موقفا ايجابيا يدعم خيار الشعب،وأن تحرص كل القوى الرافضة للانقلاب(المهنية والسياسية ولجان المقاومة) على جمع الشمل والعمل الجماعي،وأن تستفيد من دروس المرحلة .
البيان الرباعي انتصار سياسي وديبلوماسي لثورة الشعب السوداني وخياره الانتقالي الديمقراطي، وأرى أنه يدعم العلاقات المستقبلية مع الدول الأربع.
أخلص إلى أن أي موقف اقليمي أو دولي هو نتاج رفض شعبنا الراسخ وصموده الباسل ومواجهته القوية للانقلاب بارادة فولاذية لا تلين.
التمسك بالحكم المدني ،والسلمية،وتضحيات شباب السودان بالدماء والدموع ستثمر مزيدا من المكاسب والانجازات التاريخية .
قلت عشية مليونيات ٣٠ أكتوبر٢٠٢١(قبل المليونية) وأكرر
أن (في صوت الشارع طوفان، وزلزال، يُزلزل الانقلابيين، تمسكوا في الداخل والخارج بالحكومة الانتقالية الشرعية ورئيسها ، فهي وهو، يشكلان عنوان النصر، وأرفضوا، سودانيا ودوليا الاعتراف بالانقلابيين، ليسقطوا).
بعد (المليونيات)ومواقف أممية ايجابية، والبيان (الرباعي) لا خيار سوى أن يتراجع الانقلابيون عن قراراتهم البشعة .
اذا تراجعوا أو آثروا ضرب الرؤوس على الحائط ، ففي كل الأحوال سيقضي على الانقلاب طوفان الشارع، وعصيانه، وزلزال مواقف إقليمية ودولية تحترم ارادة شعبنا وتظاهراته السلمية، المدهشة.
إنه درس الساعة، الموجع للانقلابيين،والمتآمرين…
لندن-
٣ نوفمبر ٢٠٢١