يمضي الفريق عبدالفتاح البرهان نحو تحقيق حلم والده بحكم السودان بخطوات واسعة، وبإصرار عجيب، حتى لو كان الثمن دماء الأبرياء من شعب السودان الحريص على إنهاء الدائرة الشريرة، دائرة حكم العسكري، التي امتدت نحو 54 عامًا، حكم فيها اليمين واليسار والنص نص، ولم يجن منه السودان غير الخسران المبين.
يمضي البرهان في هدفه الأصيل في حكم السودان حتى لو داس على كل مبدأ تمسك به الشعب السوداني حتى في ظل أنظمته العسكرية الخائبة، ومن أهم المبادىء الأصيلة لهذا الشعب الانتصار لحق الشعب الفلسطيني، وعدم إقامة أي علاقة مع الكيان الصهيوني.
وإذا كانت حجة بعضنا أن هناك دولًا عربية لها علاقتها مع إسرائيل، فإن الفيصل في هذا ليس رأي الشخص الفرد، الذي يتوخى مصلحته الشخصيّة، وإنما يجب أن يكون من ممثل لضمير الشعب، وهو الذي يتحدّد بشكل عصري في برلمان منتخب.
لكن البرهان في ظل انتصاره لذاته، ومحاولته الكيل بمن يتوهم أنهم أساؤوا إليه في شخصه لا يمانع في الاستعانة بالشيطان، كما ظل يردد كل الطغاة الذين عرفناهم في هذا العصر، دعك من استدعاء التاريخ البعيد.
وهكذا وجدنا إسرائيل لاعبًا رئيسًا أول مرة في الساحة السياسيّة السودانيّة حتى استدعى الأمر التدخل الأميركي لكفها عن مباركة خطوات العسكر.
هل إلى هذا الحدّ هان السودان على البرهان، وهو يضرب بكل ثوابت أهله عرض الحائط؟ هل إلى هذا الحدّ يمكن للإنسان أن يعطي ضميره إجازة مفتوحة، حتى يزين له شيطانه قتل الأرواح البريئة، وتجويع الشعب، والتضييق عليه، ثم رشوته بانفراجة – بالتأكيد مؤقتة- لكسب وده واستمالته.. ألم نقل له ولرئيسه البشير من قبل: “القضية ليست خبزاً ووقوداً ونقوداً” – صحيفة التحرير https://www.alttahrer.com/archives/24858
لماذا لا يتعظ الطغاة، ولماذا يرهن طاغية مثل البرهان مصير شعب من أجل أن ينتصر لذاته، وينتقم من عدد من المسؤولين، الذين لم يتجاوزوا ما تتيحه لعبة السياسة، ومران الديمقراطية من البوح بالرأي الذي يقتنعون به، حتى لم مسَّ البرهان وغيره؟
هل يعتقد أنه قد انتصر عندما يسلبهم حريتهم بقوة السلاح، الذي من قوت الشعب، من أجل أن يحميه، لا لكي يرفعه على أبنائه، ويتحكم في مصيرهم، كيف يشاء.
ألم يفكر لحظة كيف سيفسر العالم إطلاقه سراح بعض المعتقلين واستمراره في حبس آخرين؟ كيف له أن يسلب رئيس الوزراء حريته، ثم يتبجح بالحديث عن تصحيح مسار؟ كيف له أن يهدد الإعلاميين ويريد أن يحقق التحول الديمقراطي؟ أليس هناك من هو أرشد من صحاف البرهان “أبوهاجة” ليهديه مصائبه من القرارات والمواقف الكارثية التي لم يعرفها السودان من قبل، حتى في ظل النظام البائد، لعنة الله عليه، وعلى كل منتسب إليه.
شعب يقف له العالم احترامًا، وترفع له الأعلام، وتتغنى به ملكة بريطانيا ورئيس أمريكا ورئيس فرنسا ورئيسة وزراء نيوزيلندا، وغيرهم، وينشد له الفنان العملاق لطفي بوشناق، ويشيد بصموده الإعلاميون والمفكرون والسياسيون من كل الدنيا، شعب كهذا لا يجد ذرة تقدير من ضابط في قواته المسلحة، التي عليها حماية أمنه، ورفع رايته خفاقًا.
ما هذا العبث أيها البرهان؟ رفعك هذا الشعب، وأراد لك أن تكون بين شرفائه، متجاوزًا عما سبق من أخطاء، وأردت أن تكون في زمرة أعداء هذا الشعب، ليقول فيك التاريخ كلمته بذاكرته التي ترحم كل من أذل الشعب، ولم يقدره حق تقديره.
إنّ هذا الموقف العصيب الذي نحن بصدده كشف زيف كثيرين، وفي مقدمتهم جبريل إبراهيم الذي لبس لباس المناضلين، وهو الذي لم يفعل شيئًا غير أن يصعد على ظهور المناضلين الحقيقيين، وأصحاب المواقف، بينما ظلَّ وفيًّا للنهج الشمولي لشيخه الترابي، وللنظام البائد، وجاء هذا الانقلاب ليوضح لمن كان في قلوبهم ذرة شك “أن الزمار يموت وأصابعه تلعب”.
الانقلاب ببرهانه وجبريله وكباشيه وأردوله إخواني كامل الدسم، أما أمثال التوم هجو وعسكوري، فهؤلاء من أوردوا الكيزان موارد الهلاك بانتهازيتهم المكشوفة، والطيور على أشكالها تقع.