منذ انقلاب البرهان والوزير الأقوى رفضا له وجسارة في الجهر بذلك، هي د. مريم الصادق المهدي وزيرة الخارجية، فقد ظلت تتواصل مع وسائل الاعلام الإقليمية والدولية معلنة رفضها للانقلاب، وانها وزملاؤها وزميلاتها في مجلس وزراء حكومة عبد الله حمدوك ما زالوا في مناصبهم ولا يعترفون بحل الحكومة، باعتبار ان البرهان لا يملك ذلك الحق لا كقائد للجيش ولا كرئيس لمجلس السيادة، وتحركت مريم بفعالية مع المجتمع الدولي وتتواصل مع نظرائها من وزراء الخارجية في مختلف البلدان لفضح الانقلاب وحرمانه من الشرعية التي يصبو اليها، فالتحية والتقدير لمريم الباسلة، والتحية لسفرائنا ودبلوماسيينا الشرفاء رافضي الانقلاب، والتحية أيضا لصديق الصنديد ابن الصادق المهدي الذي وقف بصلابة في وجه الانقلاب ويقبع حاليا في سجن البرهان.
وبالمقابل خرج عبد الرحمن الصادق المهدي الذي عاش في كنف عمر البشير حتى سقوطه في ابريل 2019، ليقول بالأمس ان انقلاب البرهان كان “ضروريا”، ويبدو انه يريد رد الجميل للبرهان الذي منحه رتبة لواء رغم انه غادر الجيش برتبة ملازم، ولكن طالما كان من فلول نظام البشير فهو جدير بالتقدير في نظر البرهان، وطوال أشهر الحراك الثوري الذي شاركت فيه جماهير حزب الأمة لم يفكر عبد الرحمن في القفز من قارب البشير الموشك على الغرق، رغم أنه كان مجرد ديكور في القصر الرئاسي بمسمى مساعد الرئيس ولم يكن له أي دور في أي مجال سوى بيوت العزاء والأفراح.
ولو عذرنا عبد الرحمن هذا باعتباره انتهازيا هوائيا يعشق المنظرة والفنجرة، فماذا نقول عن نصر الدين عبد الباري وزير العدل في حكومة حمدوك؟ هذا الرجل حر طليق ولم يفتح الله عليه بكلمة ولو من باب التعاطف مع زملائه المعتقلين، دعك من أنه ينبغي ان يحرس أبواب العدالة، ويبدو انه من فصيلة لام أكول أجاوين الذي أسندت اليه الحركة الشعبية (جون قرنق) حقيبة الخارجية بعد اتفاق نيفاشا فسلم رقبته للبشير والمؤتمر الوطني، فنصر الدين هذا وفور إحساسه بان العسكر ميالون للتطبيع مع إسرائيل ركب الموجة واندفع يقابل المسؤولين الإسرائيليين هنا وهناك رغم أن هذا أمر يخص وزارة الخارجية ثم مجلس الوزراء مجتمعا و”مسعولين” من الخير: أين صديق تاور عضو مجلس السيادة وهو غير معتقل؟ هل في فمه ماء؟ والآخر ذلك حسن شيخ ادريس قاضي، وكان أصلا لا يهش ولا ينش طوال وجوده في المشهد؟ هل صعب عليهما الجهر بالقول لاستنكار الانقلاب أو المناداة بإطلاق سراح من يحتجزهم البرهان رهائن؟
هذه أسئلة ستكون الإجابة عليها بعد سقوط الانقلاب عندما يبدأ الحساب العسير لمن استخفوا بأمر الترشيحات لمجلسي السيادة والوزراء، فهذا ليس وقت الحساب والعتاب فالأولوية للخلاص من البرهان وما يمارسه من بهتان باسم وثيقة دستورية أشبعها تمزيقا وترقيعا المحن تجلو وتكشف معادن الناس، ومحنة الانقلاب العابرة فضحت العناصر الهشة والانتهازية، كما أبانت أن في سويداء السودان رجال ونساء ذوو قامت سامقة تحجب قرص الشمس، والمجد يُحفَظ في سواد القلب في حدق العيون ويُسْتَنم الغث للأقدام تسحقه بقارعة الطريق
مليونية13نوفمبر