🔹 مقدمة
لعل مصير السودان سيظل رهينًا بما حدث وما سوف يحدث خلال المتبقي من الفترة الإنتقالية. وبما يخطط له الأبطال الفاعلون فيها: قحت1 وقحت2 والحركات المسلحة والجيش (+ التدخلات الخارجية). ولعل أكثر ما سيحسم جدل التكهنات هو عاملا التوافق السياسي المتوج بالإنتخايات٫ أو التشاكس حول الاستبداد بنوعيه المدني أو العسكري.
🔹 أولا مهددات التوافق السياسي
تميز منهج العمل السياسي الرسمي المعلن من قبل هذه الكيانات بالآتي:
١/ الإستقطاب الحاد (تصنيف وتقسيم الناس بين معنا أو ضدنا. شرفاء وغير شرفاء. معنا أو مع الفلول. معنا أو مع الانقلاب).
٢/ الإقصاء وشيطنة الآخر واستخدام مفردات الحاجز النفسي: كوز، انقلابي، شرفاء، قطيع، عملاء، فلول، علماني… الخ.
٣/ استخدام مؤسسات الدولة لتصفية الحسابات السياسية. (سنزفهم الى المقابر. نستبدل تمكين بتمكين٫ نفصلهم عن العمل ولو كانت اجراءات تعينهم سليمة … الخ).
٤/ التراشق الإعلامي وتبادل الإتهامات. (أنت خصم على رصيدي السياسي. لا يشرفني الجلوس معك … الخ).
٥/ تحميل الفترة الإنتقالية بأجندة تتعدى مهامها. (تغيير القوانين٫ تغيير المناهج الدراسية٫ الانحياز لايدلوجيا ضد ايدلوجيا أخرى، استجلاب بعثة دولية لمدة عشر سنوات٫ التطبيع… الخ).
🔹 ثانيا آليات هدم الاستقرار السياسي
١/ العمالة وتطبيق الأجندة الخارجية.
٢/ التمكين وهو استغلال أجهزة الدولة لتحقيق المكاسب والأجندة الحزبية.
٣/ الكنكشة وهي الهروب من الاستحقاق الانتخابي.
٤/ التضليل وهو المتاجرة والمزايدة على الآخرين (تسميتها سلمية بينما هي تغلق الطرقات بالمتاريس وتمنع الناس من ممارسة حياتهم وترهب الرأي الآخر. تسميتها مدنية ولكنها تتهرب من الانتخابات وتغلق المحكمة الدستورية وتعتقل وتصادر وتفصل عن العمل دون أمر قضائي … الخ).
🔹 شهر العسل من الاستبداد المشترك ولمدة عامين من حكم قحت1 وقحت2 و العسكر وتهديدها للإستقرار السياسي.
١/ هروبها من الاستحقاق الانتخابي موثق قولا على لسان قادتها٫ وفعلا بعدم ابتدار حوار حولها ولا قانونها ولا مفوضيتها ولا التعداد السكاني ولا تحديد الدوائر الإنتخابية.
٢/ طلبها بتمديد الفترة الإنتقالية الى ١٠ سنوات موثق على لسان قادتها. منهم من ذكر أنهم يريدون تمديدها لأن الانتخابات لن تأتي بهم. ومنهم من قال إن خصومهم أكثر تأهيلا منهم.
٣/ خرقها لوثيقتها الدستورية موثق على لسان قادتها. بل اعترف نائب رئيس أكبر الأحزاب بأنه شاهد عيان على تزوير الوثيقة الدستورية مما حدا به الانسحاب من اللجنة مؤثرًا السلامة الشخصية.
٤/ عمالتها مع السفارات موثق على لسان قادتها. حتى قال قائلهم: إنهم يذهبون ليل نهار لمقابلة جميع السفراء يشتكون إليهم المخالفين في الرأي والمواقف. أيضا ثبت بالدليل أن رئيس الوزراء يتلقى راتبه من الإتحاد الأوروبي٫ إعتراف وزير الخارجية السابق بعمالته … الخ.
٥/ إستغلالها لمؤسسات الدولة في تصفية الحسابات السياسية٫ موثق على لسان قادتها. بل منهم من مات في السجون ومنهم من قضى عامين مسجونًا دون اتهام … الخ
٦/ استغلالها للفترة الإنتقالية للتمكين الحزبي٫ موثق على لسان قادتها.
٧/ متاجرتها بدماء الشهداء، موثق على لسان قادتها. (نحن نحتاج اراقة الدماء لتهييج مشاعر الناس).
٨/ فشل كوادرها وحكومتها٫ موثق على لسان قادتها.
هذه الأجندة وعلى الرغم من خطلها إلا أنها لم تمنع استمرارهم حكامًا لمدة عامين مع إقصاء الآخرين٫ والسبب الوحيد لهذا الاستمرار هو حماية المكون العسكري للاستبداد المدني تحت رافعة خطاب الكراهية. ولكن ولأن هذه السياسات تحمل بذرة فنائها في أحشائها٫ فقد انفجرت الأوضاع ودبت الاختلافات بين شركاء الأستبداد. وصاروا يمارسون ذات السياسات ضد بعضهم البعض بعد أن كانوا متفقين على ممارستها ضد خصومهم. مما أدى الى انفجار الصراع بينهم. وتوقفت شراكتهم. وعمت الفوضى والفشل والتشاكس. وتدخل الجيش وحسم الأمر.
🔹 اجراءات الجيش
وعدت قيادة الجيش بالأجندة الوطنية الآتية:
١/ استبدال تكنوقراط غير حزبيين بمدنيين حزبيين فاشلين متشاكسين.
٢/ اجراء الانتخابات في مدة أقصاها عام ونصف من الان.
٣/ إكمال مؤسسات العدالة من محكمة دستورية وسلطة نيابية وكل مؤسسات الفترة الإنتقالية وعلى رأسها المجلس التشريعي.
٤/ إيقاف أعمال لجنة التمكين خارج إطار القضاء ومراجعتها.
🔹 ردة الفعل
حتى مؤيدو الجيش في قراراته الأخيرة وعلى جرأتها وقوتها٫ إلا أنهم لا يثقون في مدى التزام قيادة الجيش بتنفيذها. وإنما يؤيدونها فقط من باب الأمل والرجاء ولكونها أوقفت التشاكس وأوقفت استمرار الظلم خارج اطار القضاء الذي كانت تمارسه قحت٫ وحسب ذلك من إنجاز كبير.
تأتي الشكوك في موقف قيادة الجيش لأن سجلها يشوبه الآتي:
١/ تماهت قيادة الجيش لمدة عامين كاملين مع شركاء الأمس أعداء اليوم. بل وشاركتهم في كل الظلامات والفظائع المرتكبة ومنحتهم الشرعية والحماية الكافية.
٢/ التهم الموجهة لقيادة الجيش بارتكاب جرائم قتل المتظاهرين والمعتصمين تغذي الشكوك حول نواياهم، خاصة وأن هنالك تصريحات عن بحثهم عن اتفاقات تحت الطاولة تضمن عدم محاسبتهم.
٣/ إقدام قيادة الجيش على التطبيع مع اسرائيل خلف ظهر الشعب. وهي خطوة تغذي الشكوك.
لا يهم الشعب السوداني إن كانت اجراءات الجيش انقلابًا أو ثورة تصحيحية، بقدر ما يهمهم وفاء قادته بتنفيذ ما التزموا به. ظلت قيادة الجيش في حالة تردد وانتظار مما أوجد ثغرات كبيرة وضعف في تنفيذ الإجراءات الأخيرة. إستغلها خصومهم داخليًا وخارجيًا مما ساهم في المزيد من الإرباك وتعقيد المشهد.
🔹 التدويل والتدخل الدولي:
١/ خرج السفير البريطاني في تسجيل على الهواء مباشرة ليخاطب الثوار والشعب.
٢/ أصدرت بعثة الأمم المتحدة بيانًا للسودانيين اختارت فيه الحكومة الشرعية التي ستتعامل معها.
٣/ أصدرت الدول والسفارارات والمنظمات عشرات البيانات وارسلت المبعوثين.
🔹 الشكوك سيدة الموقف
١/ قحت1 و 2 ينطلقان من منطلق حزبي لا يتناسب مع طبيعة الفترات الإنتقالية. تجسد ذلك في أدائها في الحكم. لذا فإنهما يجسدان المشكلة أكثر من الحل.
٢/ الحركات المسلحة تاريخها ملطخ بالدماء وما تزال تحتفظ بأسلحتها ولم تتحول الى حزب سياسي. لذا فإن الشكوك تحوم حول معركتها المؤجلة. رغم اللغة الوطنية الجديدة التي صارت تتحدث بها.
٣/ على الرغم من أن الأمل الوحيد يظل معقودًا على قيادة الجيش، فإن الشكوك كبيرة في إمكانية التزامها بتعهداتها الجديدة مالم تطمئن الرأي العام بمصفوفة زمنية محددة للتنفيذ.
٤/ تقاطعات المصالح الدولية والإقليمية وكثرة العملاء والحركات المسلحة والارتباطات المتعددة والمتقاطعة، بالأجندة الخارجية. كل ذلك ينذر بما لا يستطيع أن يتكهن به أحد.
🔹 الخلاصة
الشكوك سيدة الموقف. ولم يبق للشعب إلا الأمل والرجاء المعضد بالتصريحات وان لم تسندها الوقائع. إلا أن إكمال هياكل السلطة الإنتقالية وإعلان مصفوفة اجراءات الانتخابات المحددة بأزمنة قاطعة والتأكيد المستمر عليها، كل ذلك سيعزز الآمال ويزيل الشكوك. ولعل ذلك هو الإجابة على السؤال الرئيسي الوارد في عنوان المقال.