عندما نقول في السودان عن شخص او فعل او سلوك: “هذا لا يشبهنا” فإننا نقصد أن ذلك الشخص/ الفعل/ السلوك يخالف العادات والقيم والمثل والأخلاق العامة في مجتمعنا، وكلما استعيد مشاهد فض الاعتصام في 3 يونيو 2019 وكيف أمطر مئات الجنود الشباب النائمين الصائمين بالرصاص، مع سبق الإصرار والترصد وبأمر قيادتهم المتمثلة وقتها في المجلس العسكري الذي كان عبد الفتاح البرهان رئيسه، كلما استعدت تلك المشاهد أهتف المرة تلو الأخرى: هل هؤلاء بشر؟ كيف تقتل شخصا ثم تحرمه حتى من حق الرقاد في قبر وتلقي به في النيل؟ كيف يتوافق العشرات على اغتصاب النساء أمام بعضهم البعض؟ كيف ولماذا يلقي جندي بشاب أعزل ارضا ثم يدوس بحذائه على رقبته ورأسه؟ ماذا جنت جامعة الخرطوم حتى يجتاحها الجنجويد في تلك الليلة ويحرقوا قاعاتها؟
وبعد تلك المجزرة استباح الجنجويد مدننا ورأينا كيف كانوا يعتدون على الرجال والنساء في الشوارع بالضرب المبرح ويتعمدون إذلال البعض بإرغامهم على التدحرج داخل برك طينية؟ وما نزل الجنجويد الدعامة بأرض إلا وتفننوا في إيذاء الناس؛ فلماذا يكرهون الناس؟ هل بينهم وبين الشعب ثأر؟ من الذي شحنهم بتلك الكراهية حتى تجردوا من الحس الإنساني؟ كيف يعتدي شخص فيه ذرة من الرجولة على امرأة عزلاء بالضرب المبرح المهين لأنها مرت بجانبه؟ هذا سلوك لا يشبهنا فنحن قوم نتبرأ حتى من الرجل الذي يضرب زوجته او بناته ولو بحجة التأديب.
ثم انظر ماذا فعل من كنا نسميهم حماة الوطن يوم السبت الماضي (13 نوفمبر) عندما خرج الآلاف يهدرون كالسيول ولا سلاح لديهم سوى الهتاف، قناصة على سقوف المباني العالية يضربون الرصاص في المليان؛ وآخرون وجوههم معروفة يتلقون الأوامر بصوت مسموع: أي زول تقتلوه ما تجيبوه حي!! نفس شعار المجرم احمد هارون المطلوب للعدالة الدولية. الرصاصة التي اخترقت رأس الطفلة الشهيدة رماز حاتم العطا جاءت “من فوق”، ثم يتضح ان أولئك القتلة استخدموا ذخائر انشطارية محظورة دوليا (expanding bullets) تدخل الجسم وتنشطر الى قذائف صغيرة لتدمر أجزاء مختلفة من الجسم؛ ويسقط عشرات الجرحى، فيذهب القتلة الى مستشفى الأربعين ومستشفى شرق النيل ليعتدوا على الجرحى ولمنع الأطباء من علاجهم، وها هي بنوك الدم في مدن عاصمتنا الثلاث تعلن “إفلاسها” وتناشد المواطنين للوفود عليها للتبرع بالدم
الآن يدرك من كان غافلا لماذا رفض البرهان وبطانته هيكلة القوات النظامية والأمنية التي فسدت وأجرمت العديد من عناصرها خلال سنوات حكم الكيزان: كان البرهان يعلم انهم سيكونون سنده عندما يسعى لتحقيق طموح الاستيلاء على السلطة، ولما نفذ انقلابه يوم 25 أكتوبر الماضي أطلق لهم العنان ليمارسوا الأمر الذي تربوا ونشأوا عليه: القتل والتعذيب، ليصنع من المزيد من الجماجم السلم الذي يريد ان يصعد به الى قمة السلطة.
جاء في محكم التنزيل “وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا”؛ وفي الحديث الشريف: يجيءُ المقتولُ بالقاتلِ يومَ القيامةِ ناصيتُهُ ورأسُهُ بيدِهِ وأوداجُهُ تشخَبُ دمًا يقولُ: يا ربِّ هذا قتلَني، حتَّى يُدنيَهُ منَ العرشِ”
ولن يفلت البرهان من حساب الدنيا أو الآخرة، فانقلابه “كَرّة خاسرة”.