يستمر حراك الشارع ضد الانقلاب ويتصاعد كماً وكيفاً، وذلك في وقت تظهر فيه إلى العلن خلافات شتى فيما بين الانقلابيين. تركيبة الانقلابيين نفسها تركيبة تستعصي على الفهم. إن التوافق بين مكوناتهم يبدو أمراً مستحيلاً جداً. إذ إن كل ما يوحدهم هو بغضهم الأعمى للمدنية. وليس سهلاً أن تقود بلداً كالسودان بوازع البغض.
الخلاف الأول بينهم حول ما أكده مالك عقار بالأمس أن المعتقلين سيطلق سراحهم في غضون يومين. لكن الكيزان في الجيش لن يقبلوا بذلك، رغم أن عقار قال مقولته تلك إما بموافقة صريحة أو ضمنية من البرهان. بذلك التصريح تصبح مصداقية مالك عقار، وبالتالي المجلس الانقلابي برمته، في محك الاختبار.
الخلاف الثاني حول موقف الناظر محمد الأمين ترك في الشرق. فهو أولاً يطالب بإلغاء مسار الشرق في اتفاقية سلام جوبا. وثانياً يتطلع إلى الحصول على نصيب الأسد في المناصب العليا ضمن المجلس السيادي وترشيح رئيس وزراء للحكومة المدنية، دون أدنى اعتبار لأطراف أخرى فاعلة في شرق السودان. ومن الطبيعي أن يحتدم الصراع بين مكونات الانقلابيين بشأن ذلك احتداما شديدا.
الخلاف الثالث يتمحور حول تصريح جبريل إبراهيم ومفاده أن الوضع الاقتصادي من المتوقع أن يتردى تردياً حتمياً في ظل نكوص المجتمع الدولي عن تعهداته بإعفاء الديون وكذلك لتعذر الحصول على قروض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وأن كل ذلك سوف يحدث بسبب «النقطة التي وصلنا إليها في الحكم»، حسب تعبيره بالحرف الواحد. (النقطة) التي يقصدها جبريل إبراهيم هي الانقلاب دون أن تكون لديه الجرأة الكافية للتصـريح بها بـدلاً من التلميح، ثم إدانته دون لف أو دوران.
الخلاف الرابع: رفض حميدتي لتكليفه ترؤس اللجنة المناط بها مراجعة أعمال لجنة إزالة التمكين. أولاً، حميدتي يخشى أن هذا التكليف قد يستعدي عليه مجموعة كبيرة داخل الجيش تؤيد تفكيك الإنقاذ شريطة أن يتم التفكيك بطريقة أقل حدة. وثانياً، هنالك ضباط برتب عليا في الدعم السريع تعتقد بأن الإنقاذ قد أفسدت في حكمها فساداً لا يختلف عليه اثنان.
الخلاف الخامس حول هل سيواصلون قطع خدمات الإنترنت والاتصالات، على الرغم من الخسائر الكبيرة على الاقتصاد، أم يعيدونها بغض النظر عن قدرتها الهائلة على حشد الشارع مزيداً من الحشد ضد الانقلاب.
الخلاف السادس حول مستوى العنف الذي ينبغي توظيفه لقمع المظاهرات. قيادات الجيش والشرطة معاً يميلون إلى ضبط النفس، وتفادي حدوث قتل بين المتظاهرين بأكثر مما حدث حتى الآن. هؤلاء يخشون من الأسرة الدولية التي قد تضع الاغتيالات ضمن تصنيف الجرائم ضد البشرية، وبالتالي وقوع مرتكبيها تحت طائلة القانون الدولي.
أما قادة الدعم السريع فلا مقدس لديهم ولا يعرفون للعنف حدوداً، كل ما يهمهم هو حسم المعركة لصالح العسكريين وبأي ثمن. هؤلاء لا يفرقون بين شوارع الخرطوم والتضاريس التي جرت فيها معارك قوز دنقو ووادي هور وأم أرطال.
القتل عندهم هو القتل، ويتبع منطقاً ساذجاً بأن من ليس معهم فهو حتماً ضدهم.
الإخوان المسلمون، بوصفهم الحاضنة الفعلية للانقلاب، يختلفون فيما بينهم بصدد الموقف من التطبيع مع إسرائيل. كان موقفهم معارضاً للتطبيع منذ الإعلان عن الاجتماع بين البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في أوغندا في فبراير 2020م. لاحقاً قاموا بإنشاء «القوى الشعبية السودانية لمقاومة التطبيع»، والتي تضم، حسب موقع صحيفة الأناضول التركية بتاريخ 7 نوفمبر 2020م، كلاً من المؤتمر الشعبي، وحركة الإصلاح الآن، وحزب منبر السلام العادل، وتجمع الشباب المستقلين، وهيئة علماء السودان. وهذه جميعها إن هي إلاّ واجهات إخوانية للمؤتمر الوطني المحلول بموجب القانون.
في المحصلة، فإن وراء كل تلك الخلافات تكمن نزعة الإنسان الغريزية لتبرير أفعاله ومعتقداته ومشاعره مهما كانت بعيدة عن العقل ومجافية لمنطق الأشياء. الانقلابيون يدركون يقينا أن ما أقدموا عليه يشكل خطورة على مستقبل البلد، وهم الآن في ورطة كبيرة: أين المفر من وضع شائك شديد التعقيد ينذر بانفجارات عديدة وشظايا قاتلة، وتستفحل صعوبة السيطرة على الوضع طرداً مع مرور الوقت؟ وهو وضع قد تمخض أساساً عن فعلتهم تلك؟
من جهته، يبدو الشارع أكثر تماسكاً وصلابة وعناداً في سعيه الدؤوب إلى المدنية التي يجب أن تتحقق هذه المرة بشرط أن يستبعد منها العسكر تماماً. كل المطلوب أن يتحلى الناس بالصبر لأنه السلاح الأكثر مضاء في مواجهة انقلابيين متلهفين إلى نتائج سريعة وكفيلة بإضفاء شرعية على انقلابهم.