• بعدما شاهدنا وحشية التقتيل، وبربرية التسحيل التي مارسها البرهان، وهو يحاول سحق مواكب ١٧ نوڤمبر، وعندما نستصحب تاريخه القريب والبعيد، فلن يكون لدينا أدنى شك أنه قرر، وبلا رجعة، المُضي في إجراءاته الإنقلابية إلى النهاية، ومهما كلفه الأمر !!
ولكن قِصَر نظر البرهان الذي استسهل له القيام بالإنقلاب وسوَّل له أن الشوارع ستخرج حاملةً الزهور والأعلام وهي تهتف باسمه، هو نفسه الذي أعماه عن رؤية خازوقين كبيرين ينتظرانه في أول المشوار، وهما (الشارع المتفجِّر بالشباب، وحمدوك المتصلِّب بدعم الشباب) !!
والحقيقة فإنَّ الإنقلابيين بزعامة البرهان ربما أنهم يرون الآن هذين الخازوقين بوضوح، ولكن لا أظن أنهم كانوا قد أعطوهما ما يستحقان من تحسُّب عند التخطيط للإنقلاب!! وأما غير ذلك فلا المجتمع الدولي، ولا الإقليمي يهمانهم، ولا إنقطاع التمويل ولا التدفقات المالية الدولية، كما لا يهمهم الحصار، ولا المقاطعة، ولا قفل المطارات ولا الموانئ !!
وسبب هذا الغَبَش والإستخفاف هو أن الإنقلابيين أصلاً هم (كيزان الإنقاذ)، وهؤلاء لهم تجربة سابقة وماكرة مع المقاطعة والحصار والإنسدادات الإقليمية، وتهديدات المجتمع الدولي..فلم يهمهم كل ذلك في السابق ولا سيهمهم إذا حدث في الحاضر، وضاق الناس بإنقلابهم !! فلقد عرِفوا التعامل مع كل هذه العُقَد، وعرِفوا التعامل مع الشعب السوداني أثناءها، ولقد ضاق الناس على عهد الإنقاذ منها، ولكنهم صبروا عليهم، برغم الحصار والمقاطعات، ثلاثين سنة.. وفيما بعد، وإذا قُدِّر لهذه المصيبة أن تستمر، فسيقول الإنقلابيون الكيزان للناس إنَّ هذه الضوائق إنما هي فقط (إبتلاءات) لابد أن تمر بها (الأمة المؤمنة) ذات الرسالة، وكذلك فإنَّ المؤمنين الصادقين دائماً مبتلون في دينهم وإيمانهم وفي معاشهم !! وإذا ضاق الحالُ أكثر، وخرج الناس محتجين يهتفون فسيقولون إنَّ هؤلاء شرذمةٌ مارقة، وصعاليك، وشذاذ آفاق، وخَوَنة، وسيقتلونهم بلا رحمة..
أما الآن، فإنَّ الذي يهمهم هو إسكات هذا الشارع الثائر بأي ثمن، وبأي وسيلة، ومهما كلف، وهذا ما أثبتته طريقة قمعهم مواكب ١٧ نوڤمبر، لأن إستمرار الإحتجاج وتزايده سيضطرهم إلى القمع بقوة أشد مما يفعلون الآن، وسيضطرهم إلى القتل والسحل بلا رحمة، وهذا مما سيجر عليهم (النقنقة) واللعنات والإزعاجات والإدانات الدولية (الآنية)، مما يجعل توطيد أقدامهم أصعب، ومدته أطول فقط لا غير!!
هم الآن يراهنون بالضبط على أنَّ حِراك الشوارع الغاضبة لن يستمر إلى ما لا نهاية، وهو، بإعتقادهم، قصير النفَس غالباً..إذن هذا هو الخازوق الأول، وهذا تصورهم للتخلص منه.. أن يتم القمع بقوة، والقتل بترعيب، ومهما كلَّف، ليخاف الناس ويسكتوا عنهم، وسيهدأ (المجتمع الدولي)، ويدعهم يكمِّلون إنقلابهم وتخطيطهم..
أما الخازوق الثاني فهو الأكبر، وهو (حمدوك المتعنِّت بإرادة الشعب)..إذ وجود حمدوك في المحبس، وعناده وإصراره على تحقُّق شروط (مستحيلة التحقيق) ليعود لرئاسة الوزراء، سيجعل منه أيقونة شبابية متجددة لا يفترون من ترديدها ومن المطالبة بعودته رئيساً لوزرائهم، كما لا يجعل المجتمع الدولي يسكت عنهم أبداً، وسيطلب منهم كل مسؤول دولي يلتقيهم إطلاق سراح حمدوك، وليس ممكناً عندهم إطلاق حمدوك دون شروط يحققها لهم برغباتهم.. هذا الوضع (الحمدوكي المعقَّد) لا يكاد يترك لهم غير خيارين إثنين للتعامل معه، إما بتصفيته جسدياً وسيكون ذلك (قضاءً وقدراً) أو بإخراجه بالقوة إلى دولة متواطئة، ثم فليصرح هناك بما شاء من التصريحات.. ولن يهمهم بعد ذلك في شئ !!
• الإنقلابيون، بقيادة الكيزان، يعتقدون أن (قطع العُقدة) هو دائماً أهون الأضرار، وتجربتهم في فض الإعتصام ماثلة وحاضرة، إذ أنهم كانوا يرَون أن الحرية والتغيير كانت تعتقد أنَّ مصدر قوتها الضاغط، ودافعها للتعنت في الحوار معهم كان هو الإعتصام، فلماذا إذن لا يفضون هذا الإعتصام، ليكسروا شوكة الحرية والتغيير، ويجبروها على الحوار والتنازل؟! وقد حدث ذلك بالفعل حين تمَّ فض الإعتصام، وقبِلت الحرية والتغيير (بالوثيقة الدستورية المُذِلة) التي سمحت بمشاركة الإنقلابيين في السلطة!!
• والحالُ الآن أشبه، في هذه الناحية، بما قبل فض إعتصام القيادة العامة.. فالشارع (المتدفق) وحمدوك (المتزمت) هما مصدرا قوة الحرية والتغيير، فلابد من التعامل معهما بما يلزم، حتى ترضخ الحرية والتغيير وتأتي إليهم (صاغرةً مرةً أخرى) وبشروطهم التي يفرضونها!!
• سيستمر القمع والتقتيل بلا هوادة لأنه ليس للإنقلابيين أي خيارات أخرى، وقد قرر برهانهم أن يسير في هذا الطريق (العَدَمِي) إلى نهايته !!
وإذا لم تُحسم المعركة مع الشارع عاجلاً فسيتم التعامل مع حمدوك بما يلزم في نفس الوقت، وفي الغالب فإنَّ الإنقلابيين سيحاولون معالجة الخازوقين معاً، لأنه ليس أمامهم أي خيارات أخرى !!
• قِصَر نظر البرهان سوَّل له عمل هذا الإنقلاب الفطيس فأستسهل عواقبه..وبذات قِصر النظر هو يعتقد أن إسكات الشارع والتخلص من حمدوك سيجعل الأمر يستتب له، وهو لا يدري أنَّ أيَّ شهيد يقتله هو وحده شارع متفجِّر، وهو وحده حمدوك !!