عاد الإنترنت فابتلت عروق التواصل، وعادت الحركة إلى الرئة العليلة بعيدا عن أجهزة التنفس الصناعي رغم استمرار الحاجة لقناع الأكسجين في بعض الأحيان!
وجود الإنترنت لم يعد ترفا، وقطع خدماته هو اعتداء على حق الناس في الحياة اللائقة بالبشر في القرن الحادي والعشرين. ولست هنا في صدد تصديع الرؤوس، ورأسي بينها، بكيفية عودة هذه الخدمة سواء كان الأمر بفعل القرار القضائي، أو بفعل ضغط الشارع، أو بعصا المجتمع الدولي، فالمهم الآن أن الخدمة عادت، وأن الرسالة وصلت بأن أي مساس بانسيابية النت سيكون له أثمانه.
لقد سمعنا تبريرات القطع التي ساقها رئيس سلطة الأمر الواقع، ومنها منع خطابات الفتنة، في حين أن القاصي والداني يعرف بأن قطع الخدمة كان هدفه الأساس هو “فرملة” ردود الفعل من الشارع. ورغم عتمة المشهد، والحجب الذي لم يستثن حتى الاتصالات الصوتية .. فقد ظلت بعض مسارب الضوء تكشف المعلومات، فكانت خسائر القطع أكبر بكثير من ترك الخدمة مستمرة.
ملامح المشهد الآن هي أن الغالبية الكبرى من قوى الشارع الحية قد توحدت رغم تبايناتها، وأن اللافتة الأكثر وضوحا هي المطالبة بسلطة مدنية حقيقية وكاملة . صحيح أن هناك قوى أخرى لم يتم اختبارها قد تملك رؤى مختلفة، لكن ما نراه عيانا بيانا ورآه العالم كله أن الشارع يعيش في خندق هو غير خندق البرهان ورفقائه، وحتى لو كانت هناك قوى مدنية تتخندق مع مجموعته فهي ستتحول عاجلا أو آجلا إلى المواجهة معها، وقد تابعنا بدهشة أحد قادة اعتصام القصر ممن كانوا يجهرون في الشاشات بعدم الرجوع عن اعتصامهم إلا (البيان يطلع) .. رأيناه يقول إن البيان المقصود هو بيان حمدوك وليس البرهان!!
قطع الإنترنت لم يحل دون عكس مشاهد الشارع، ورغم اختناق التنظيم وقفل الجسور واحتلال نقاط التجمعات منذ وقت مبكر، إلا أن الشارع أوصل رسالته بتلقائية وهدير مسموع دون تحشيد مصنوع، ودفع من أجل رسالته دماء غالية روت أرض الوطن.
المجتمع المحلي والدولي عرف جوانب المشهد، والانفراجات الاقتصادية التي كانت تلوح في الأفق باتت تتباعد وتقترب من التبخر الكامل، ولو كنت مكان البرهان لوضعت هذه الحقائق أمام عيني بكل صدق لتكون قراراتي منسجمة معها.
نبارك للجميع عودة الإنترنت، جعله الله وسيلة خير وبركة .. وعم بنفعه أرجاء البلاد.