قبل أن تُكفكف دموع الحزن على وفاة ست النفور أحمد بكَّار وزملائها، الذين قُتلوا يوم الأربعاء الموافق 17 نوفمبر 2021م، أثناء اشتراكهم في مواكب مناهضة الانقلاب العسكري، وصلنا نبأ وفاة الدكتور علي صالح كرار، الأمين العام الأسبق (1995-2007م) لدار الوثائق القومية بالسُّودان، في رسالة إلكترونية حزينة وموجزة من الدكتورة عفاف محمد الحسن الطيب، الأمين العام لدار الوثائق القومية، مفادها: “يشق عليَّ نعي الدكتور علي صالح كرار”، الذي صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها في فجر الخميس الموافق 18 نوفمبر 2021م بقاهرة المعز، لم أجد لحظتها ردًا مناسبًا مثل قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾، ثم نقلتُ نصّ الرسالة نفسها باللغة الإنجليزية إلى البروفيسور آنَّ كاترينا بانق (Anne Katrine Bang)، التي كانت تشكل حلقة وصل بين الدكتور علي وزملائه وأصدقائه في جامعة بيرجن النرويجية، فردت قائلة: “يأتي رحيل الأستاذ علي صالح كرار على رأس كل الأنباء المحزنة من السُّودان… وبرحيله أصبح العالم أكثر فقرًا… كان شخصًا لطيفًا لطفًا استثنائيًا، وصديقًا حقيقيًا، ومؤرخًا ممتازًا ومتفانيًا، وكانت معرفته بالنسبة ليَّ نعمة من نعم الحياة.” ثم نقلت الرسالة نفسها على موقع البروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه على الفيس بوك (Facebook)، علمًا بأنَّ فدوى قد نعت الدكتور علي صفحتها الإلكترونية بقولها: “كان نقيًا، يحمل قلبًا أبيضًا… وعالمًا بمعنى الكلمة، وخبيرًا في مجاله، حفظ دار الوثائق من عبث العابثين، فعزلوه من أمانتها. كتب وألَّف، ودرَّس وأشرف. حقيقة لا أقوى على قولٍ أكثر من ذلك، تكالب وهجم علينا الحزن والغضب من كل اتجاه.” وعلى النسق ذاته، جاء نعي السفير الدكتور خالد محمد فرح: “رحم الله أستاذنا العالم المحقق، والباحث الحاذق، والإنسان المهذب والخلوق، البروفيسور علي صالح كرار، الأمين العام الأسبق لدار الوثائق القومية، وأستاذ التاريخ بالجامعات السُّودانية.”
إنَّ ذكر محاسن الفقيد بهذا الكيف والإطراء يدفعنا إلى طرح سؤالٍ مشروعٍ: من أين أتى هذا الرجل النبيل؟ الذي يجمع أصدقاؤه ومعارفه وطلابه وزملاؤهم بدار الوثائق القومية على حسن خلقه الرفيع، وأدبه الجم، وتواضعه الفطري، وابتعاده عن الأضواء والأماكن التي يكثر فيها الهرج السياسي والصراع الحزبي. وُلِدَ علي بقرية نوري، مركز مروي، بالولاية الشمالية عام 1948م، وتنقل مع والده المهندس صالح كرار في مواقع عمله المختلفة، حيث درس المراحل التعليمية الثلاث، بدءً بالمرحلة الأولية، ومرور بالمرحلة الوسطى، وانتهاء بالمرحلة الثانوية. وبعدها التحق بكلية الآداب جامعة الخرطوم عام 1969م، وحصل على بكالوريوس الآداب في الجغرافيا عام 1973م، ونال ماجستير الآداب في الدراسات الإفريقية والآسيوية سنة 1979م، وكان عنوان أطروحته: “آثار التعاليم الإدريسية في الطرق الصوفية في السُّودان”. وبعد عام من نيله لدرجة الماجستير، بعثته دار الوثائق القومية لنيل درجة دكتوراه الفلسفة في التاريخ في جامعة بيرقن (النرويج)، حيث انجز أطروحته عام 1985م، تحت إشراف البروفيسور ركس شون أوفاهي (R. S. O’Fahey)، وبعنوان: “الطرق الصوفية في السُّودان حتى عام 1900، بنظرة خاصة إلى منطقة الشايقية”. وعقب تخرجه في جامعة الخرطوم عام 1973م، التحق علي صالح بوظيفة مفتش وثائق في دار الوثائق المركزية آنذاك، وتدرج في وظائف الدار المختلفة صُعدًا إلى أن شغل وظيفة مساعد الأمين العام. وفي العام 1995م تمَّ تعيينه أمينًا عامًا لدار الوثائق القومية؛ خلفًا للبروفيسور محمد إبراهيم أبوسليم، وبموجب هذا الإجراء الإداري عُين أبوسليم مستشارًا لمباني دار الوثائق الجديدة آنذاك، والتي وُضع حجر أساسها في 19 ديسمبر 2002م، وتمَّ افتتاحها عام 2006م. وعندما تمَّ تعيين الدكتور علي صالح أمينًا عامًا لدار الوثائق، كتبتُ إليه رسالة من النرويج: “حمدًا لله الذي وفق السيد وزير شؤون الرئاسة في اختيار شخصكم لأمانة دار الوثائق القومية؛ لأن في ذلك تثمينًا لرسالة الدار، وتقديرًا لجهد القائمين على أمرها. ولا شك في أنه أجراء سليم جاء نتيجة تمحيص وتفحيص دقيقين، استندت محصلتهما إلى مؤهلكم العلمي، وخبرتكم الطويلة، التي ثقفتها التجارب في مجال الوثائق والأرشيف والعلوم المساعدة لهما. أخي علي، لا أخالني في حاجة إلى التذكير بأن هذا الاختيار قد صادف أهله، وأنه عبارة عن خطوة في بداية مشوارٍ طويلٍ وشاقٍ ومحفوفٍ بالتحديات التي في ضوئها سيُقاس عطاؤكم الحقيقي. وأذكر على سبيل المثال مشروع مباني دار الوثائق (الحلم المنتظر)، وتحسين شروط خدمة العاملين، ومواكبة التطور التكنولوجي، الذي يشهده عالمنا الحاضر في مجال المعلومة الصحيحة الموثقة. أخوك، أحمد إبراهيم أبوشوك، بيرقن، 1 فبراير 1995م.” وجاء رده على هذا الخطاب كالعادة في غاية التواضع والرقة، والدعوة إلى التعاون معه في النهوض بدار الوثائق القومية، التي تمثل ذاكرة الأمة السُّودانية. وبعد انتقالي من جامعة بيرقن بالنرويج إلى الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا كتب إليَّ رسالةً رقيقةً، جاء فيها: “انتهزت فرصة سفر زميلتنا ماجدة عيد [إلى كولالمبور]، ورأيت أن أبعث معها بهذه الرسالة للتحية وتجديد العلائق… العمل بدار الوثائق يسير نحو الأفضل رغم شح الإمكانات… التدريب مستمر… حصلنا على عددٍ من أجهزة الحاسوب. وقدمتُ مشروعًا لليونسكو لدعم الدار بأجهزة متطورة لتخزين واسترجاع المعلومات، وقد وعدونا خيرًا، نأمل أن تصلنا الأجهزة خلال الأسبوع القادم بإذن الله. (علي صالح كرار، 28 يونيو، 2000م)”. هكذا كان الدكتور علي صالح دومًا مهمومًا بتطوير دار الوثائق، وتجديد علاقاته الشخصية مع كل الذين جمعته بهم ظروف الحياة المختلفة. ظل الدكتور علي يشغل منصب الأمين العام إلى أن صدر قرارًا جمهوريًا في يوليو 2007م، يقضي بنقله إلى قسم المكتبات والوثائق بكلية الآداب بجامعة النيلين، وتعيين الدكتور كبشور كوكو قمبيل أمينًا عامًا لدار الوثائق القومية. وصف الأستاذ محجوب بابا مثل هذه التعيينات السياسية والترضيات الشخصية بأنها من “أفجع الموبقات.” وفي الاتجاه ذاته كتبت البروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه: “عانت الدار ما عانت بعد إحالة دكتور علي صالح كرار للمعاش، وتسييس المنصب دون مراعاة للخبرة. راعوا أن دار الوثائق القومية من أهم مؤسسات الدولة، إن لم تكن أهمها، ولنتذكر مؤسس الدار محمد ابراهيم أبوسليم، ونأتي بأمناء مؤهلين”، وأصحاب خبرة ودراية في إدارة الوثائق والأرشيف الحكومي. بالرغم من هذه التقلبات الإدارية والتعيينات السياسية “الموبقة” ظل الدكتور علي صالح وفيًا لدار الوثائق المؤسسة، ولم تنقطع علاقته بالدار البتة. وتثمينًا لهذا التواصل المستمر، تمَّ تعيينه رئيسًا لمجلس إدارتها، بموجب قرار مجلس الوزراء الانتقالي رقم (537) لسنة 2020م، والذي شكَّل عضوية المجلس من: البروفيسور يوسف فضل حسن، والبروفيسور حسن أحمد إبراهيم، والبروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه، والبروفيسور علي عثمان محمد صالح، والدكتورة فاطمة إبراهيم، الأمين العام السابق لدار الوثائق، مقررًا للمجلس. إلى جانب عمله في دار الوثائق، اشترك الدكتور علي في العديد من المؤتمرات واللجان الهادفة إلى الارتقاء بالأداء المهني وخدمة المجتمع، إذ عمل رئيسًا لمجلس إدارة الأرشيف والسجلات، ورئيسًا لجنة توثيق تجربة المصارف والنظام الإسلامي في السُّودان تحت رعاية بنك السُّودان والبنك الإسلامي بجدة، ورئيسًا لجنة معايير المكتبات والتوثيق والأرشيف منذ 2014، ومستشارًا بمركز توثيق مفوضية الانتخابات بالسُّودان لسنة 2010م، وأمينًا عامًا للجمعية التاريخية السُّودانية في إحدى دوراتها، وعضواً في هيئة تحرير مجلة “المؤرخ السُّوداني”. ومثَّل السُّودان لعدة سنوات في الهيئة العربية المشتركة للتراث بجامعة الدول العربية، والفرع الإقليمي العربي للوثائق التابع للمجلس الدولي للأرشيف. وفي إطار احتفالات جامعة الدول العربية بيوم الوثيقة العربية، كرَّم السفير أحمد أبو الغيط، الأمين لجامعة الدول العربية، الدكتور علي صالح كرار بدرع الأمانة العامة للجامعة، تقديرًا لجهوده في تطوير العمل الوثائقي والأرشيفي في السُّودان والوطن العربي.
الدكتور علي صالح والعطاء الأكاديمي بدأ طالب الدراسات العليا علي صالح كرار أبحاثه الأكاديمية بأطروحة عنوانها: “آثار التعاليم الإدريسية في الطرق الصوفية في السُّودان”، أهلّته لنيل درجة الماجستير في الدراسات الإفريقية والآسيوية في جامعة الخرطوم سنة 1979. ووجدت الرسالة استحسانًا من الممتحنين، فنشرت دار الجيل البيروتية طبعتها الأولى عام 1992، بعنوان: “الطريقة الإدريسية في السُّودان”؛ وأعيد طبعها عام 2017م، ضمن سلسلة مطبوعات “سنار عاصمة الثقافة الإسلامية لسنة 2017م”. وفي هذا الكتاب ألقى الدكتور علي الضوء على الشيخ أحمد بن إدريس (1749–1837)، وأبرز دوره في قائمة المفكرين الذين حملوا لواء حركة التجديد الإسلامي، بحكم أنه قد أسس مدرسة صوفية فكرية مستقلة، عُرفت بنزعتها الإصلاحية، وامتازت بسهولة تعاليمها الدينية وبساطتها. وتناول الكتاب أصول الطريقة الإدريسية الفكرية، وتطورها، وكيفية دخولها إلى السُّودان. وفي مقدمة الكتاب، أشار المؤلف بإيجاز إلى حركة التجديد الصوفي التي شهدها العالم الإسلامي في أخريات القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر الميلاديين، كما ناقش ظهور بعض الطرق الصوفية ذات القيادات المركزية الوراثية التي تجاوزت قيود البنيات المحلية والقبلية. وخصص الفصل الثاني للتعاليم الأساسية للمدرسة الإدريسية من أوراد وأحزاب وأفكار وصلوات، مع بيان كيفية قراءتها وترديدها، إلى جانب الشروط التي يجب توفرها في المريد. وقارن بين الأصول الفكرية للدعوة الوهابية والمدرسة الإدريسية، مفندًا الاعتقاد السائد وسط بعض الكتاب والمؤرخين بأن تعاليم الأخيرة امتداد للأولى. وتناول أيضًا مؤلفات الشيخ أحمد بن إدريس، ثم ختم دراسته بعرض تحليلي للآثار الفكرية والاجتماعية والسياسية للتعاليم الإدريسية في السُّودان. ولذلك يعتبر الدكتور علي صالح رائدًا في مجال الأدبيات التي كُتبت عن الطريقة الإدريسية، واستقام ميسهما في كتاب الدكتور يحيى محمد إبراهيم “مدرسة أحمد ابن إدريس وأثرها في السُّودان”، (بيروت: دار الجيل، 1993م)، وركس شون أوفاهي (Enigmatic Saint: Ahmad Ibn Idris and the Idrisi Tradition, London: Hurst & Company 1992)، ومارك صدقيك (Saints and Sons: The Making and Remaking of the Rashidi Ahmadi Sufi Order, 1799-2000, Leiden: Brill, 2005). الكتاب الثاني الذي شكل معلمًا بارزًا في حياة الدكتور علي صالح الأكاديمية هو أطروحته لنيل الدكتوراه “الطرق الصوفية في السُّودان حتى 1900 نظرة خاصة إلى منطقة الشايقية”، جامعة بيرقن، 1985 (Sufi Brotherhood in the Sudan until 1900, with special reference to the Shaygiyya Region, Bergen University, 1985)”. ونتيجة للتقريظ الذي حظيت به الأطروحة تمَّ نشرها في كتاب بعنوان (Sufi Brotherhoods in the Sudan, London: Hurst & Company, 1992). يقدم الكتاب في مجمله سردًا مفصلًا عن نشأة الطرق الصوفية وتطورها في السُّودان منذ عام 1600 إلى 1900، حيث قسم مؤلفها حركة التصوف في السُّودان إلى نمطين؛ أحدهما ذو طابع غير مركزي، تمثله الطريقة القادرية والطريقة الشاذلية. وثانيهما ذو طابع قيادي مركزي، متأثرًا بالحركات التجديدية والإصلاحية التي شهدها العالم الإسلامي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلادين. ويندرج تحت هذا النوع الطريقة السمانية والطريقة التيجانية والطريقة الختمية، والطريقة الإسماعيلية، والطريقة الأحمدية الإدريسية. ويحلل علي صالح الدوافع الكامنة وراء بروز هذين النمطين في إطار السياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي أسهمت في تشكيلهما. وبعد ذلك يركِّز على الطريقة الختمية في منطقة الشايقية، مؤسسًا سرديته التاريخية على مدونة مصدرية متنوعة، قوامها الروايات الشفوية، والوثائق غير المنشورة، وأدبيات الطريقة المنشورة، والمصادر الثانوية ذات الصلة بموضوع أطروحته. ولذلك ثمن كنث بركنز (Kenneth Perkins) في مراجعته للكتاب مهارة المؤلف في استخدام “المصادر الشفوية والمخطوطات غير المنشورة كأساس لسرد تفصيلي غني، لا يلقي ضوءًا جديدًا على الممارسات الدينية الإقليمية فحسب، بل يركز على نمو الطرق الصوفية في جميع أنحاء السُّودان بطريقة ذكية”. ولذلك يعتبر كتاب الدكتور علي صالح من أهم الكتب المرجعية التي تناولت تاريخ الطريق الصوفية في السُّودان بصفةٍ عامةٍ، والختمية في منطقة الشايقية بصفةٍ خاصةٍ. وإلى جانب هذين العملين الرئيسين نشر الدكتور علي صالح العديد من المقالات في مجال عمله المهني وتخصصه العلمي، في دوريات علمية محكمة. ونذكر منها على سبيل “السنوسية والمهدية: دراسة فكرية للحركتين”، مجلة الدراسات السُّودانية، مج 5، ع 2، 1979، ص 1-40؛ ومقال آخر عن المؤرخ محمد عبد الرحيم بالاشتراك مع يحيى محمد إبراهيم وركس شون أوفاهي في مجلة إفريقيا السُّودانية، التي كانت تصدر عن مركز دراسات الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، بجامعة بيرقن، ويُقرأ عنوان المقال بالإنجليزية هكذا: “The Life and Writings of a Sudanese Historian: Muḥammad ʿAbd al-Raḥīm (1878-1966), Sudanic Africa, vol. 6, pp. 1-12”.
علي صالح كرار وجامعة بيرقن يمثل علي صالح الدفعة الثانية من جيل السُّودانيين الذين التحقوا بجامعة بيرقن لمواصلة دراساتهم العليا، ويأتي في مقدمة الدفعة الأولى البروفيسور عبد الغفار محمد أحمد، الذي أشرف البروفيسور فريدرك بارث (Fredrik Barth)، عالم الأنثروبولوجيا النرويجي الشهير، على أطروحته لنيل الدكتوراه: “الشيوخ والتُبَّع: الصراع السياسي في نظارة رفاعة الهُوي” (Shaykhs and Followers: Political Struggle in the Rufa’a al-Hpi Nazirate in the Sudan (Khartoum: Khartoum University Press, 1974)). وقد زامل علي في تلك الفترة (1980-1985) الدكتور شريف عبد الله حرير، والدكتور صلاح الدين الشاذلي إبراهيم في قسم الأنثروبولوجيا، والدكتور علي التجاني الماحي في قسم الآثار. وكان إسهام الطالب علي صالح إسهامًا مقدرًا في مجال الدراسات الصوفية وأعلام التصوف، وبمعاونة أستاذه البروفيسور ركس شون أوفاهي أساسا منهجًا جديدًا لدراسات التصوف في جامعة بيرقن. وقد تجلى ذلك في أطروحة الدكتور عن الطرق الصوفية في السُّودان؛ وكتاب البروفيسور أوفاهي عن الولي الغامض أحمد بن إدريس، وأطروحة كنوت فيكر عن محمد بن علي السنوسي (Sufi and Scholar on the Desert Edge. Muhammad b. ‘Ali al-Sanusi and his Brotherhood, London: Hurst and Company, 1995)، وألبرش أوفاهن عن الشيخ محمد المجذوب (Internalizing Islam: Shaykh Muhammad Majdhub Scriptural Islam and Local Context in the Early Nineteenth Century, Bergen University, 1996)؛ وآن كاترينا بانق عن المتصوفة وعلماء البحر (Sufis and Scholars of the Sea, London: Routledge, 2014 Family Networks in East Africa, 1860-1925)، ومارك صدقك عن ورثة أحمد بن إدريس (The heirs of Ahmad Ibn Idris : the spread and normalization of a Sufi order : 1799-1996). وبهذا العطاء المتفرد أضحت جامعة بيرقن من أهم مراكز دراسات التصوف في الغرب الأوروبي، وتثمينًا لهذه العطاء انشأت مركزًا “لدراسات الشرق الأوسط والعالم الإسلامي”، وأمسى الدكتور علي صالح أيقونة في هذا المجال، وحلقة وصل فاعلة بين جامعة بيرقن ودار الوثائق القومية. ألا رحم الله الدكتور علي صالح كرار رحمة واسعة، بقدر ما قدم لأسرته الصغيرة والممتدة، ولدار الوثائق القومية، وللسودان وأهله، ولأصدقائه وزملائه وطلابه في بقاع العالم المختلفة. كان علي إنسان نادر على طريقته، يسكته الحلم، وتقعده الرزانة، يمتاز بحب الخير للآخرين، ويعمل بنكران ذات وتجرد أينما وُضع وأينما كُلف، يربو بنفسه عن الصغائر ومواطن الصراعات السياسية والعدوات الشخصية. الصديق الراحل علي صالح إنسان لا نُعزي فيه، ولكن فيه نُعزى، نسأل الله أن يرحمه رحمة واسعة، ويسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.