من جديد تعود الجماهير اليوم للشوارع بسلميتها الباسلة، في مليونية ٢١ نوفمبر، رغم الدم الغزير الذي سأل في مذبحة ١٧ نوفمبر الا ان أحفاد اسود كرري قرروا الخروج مجددا لمواجهة رصاص القتلة والانقلابيين، هذا الشعب لا ترهبه الأسلحة ولا يفزعه البمبان، شعب لا يستحق أن يكون على قيادة جيشه أمثال البرهان وكباشي وبقية القتلة، وانما يستحق جيشا وطنيا يحمي شعبه ويدافع عنه ويموت قادته فداءا له، وهو جيش سيصنعه هذا الشعب بعد كنس هؤلاء القادة الانقلابيين وإعادة ترميم واصلاح القطاع العسكري برمته.
إصلاح القطاع العسكري والاجهزة الأمنية لم تعد بعد اليوم قضية تخص العسكريين، وانما هي قضية تخص جميع السودانيين، الجيش الذي يقتل المدنيين أمام قيادته العامة، الجيش الذي ينقلب قادته على النظام الدستوري الذي وقعوا عليه بأنفسهم، الجيش الذي تقتل حرائر السودان في ظل سيطرته على مقاليد الامور، هو جيش يحتاج لإصلاح عميق، يحتاج (لفلفلة) و(غربلة) حتى يتم تنظيفه من هذه الأفكار الغريبة التي تجعل الجيش مجرد أداة طيعة في يد قادة يستخدمونه من أجل حماية أنفسهم وليس حماية السودان.
إصلاح الجيش والاجهزة الأمنية يشمل كذلك إصلاح النشاط الاقتصادي لهذه القطاعات، المملكة الاقتصادية التي انشأها هذا القطاع خارج اطار ولاية وزارة المالية في عهد الدكتاتور البشير هي احد اهم الاسباب التي قادت قادة الجيش للانقلاب على السلطة المدنية التي أرادت وفق اسس القوانين المعروفة في كل دول العالم الكبرى ان تجعل هذه المملكة الاقتصادية محكومة باسس القانون وخاضعة للمراجعة الحكومية شانها شأن كل المؤسسات الأخرى في الدولة، إلا أن هؤلاء الانقلابين أرادوا استمرار هيمنة هذه القطاعات على نشاطها الاقتصادي، ناسين ان اي نشاط اقتصادي خارج اطار تحكم الدولة هو نشاط مضر باقتصاد البلاد ويؤدي إلى تشوهات خطيرة في الجوانب الاقتصادية ويجعل عملية الإصلاح الاقتصادي مجرد حرث في البحر.
إصلاح الاجهزة العسكرية والأمنية يستهدف أيضا إصلاح الافعال التي تمارسها هذه القوات، وتوضيح مفهوم العدو لها، فالعدو لها ليس الشعب، ولا المتظاهرين السلميين، العدو الأول لها هو الانقلابيين الذين يقوضون الدستور ويحكمون البلاد بالحديد والنار ويصوبون الرصاص لصدور ابناء وبنات الشعب العزل.
كمثال على الأفعال التي تدل على انحراف المفهوم لدى هذه القوات نذكر واقعتين حدثتا يوم ١٧ نوفمبر وبالامس، في الأولى قام احد منسوبي هذه الاجهزة بحرق سيارة مواطن أمام أعين المتظاهرين، وبالامس أثناء انسحابها من أحياء الشعبية والمزاد ببحري بعد تنفيذ مجذرتها الشنيعة قامت القوات الأمنية الانقلابية باحراق مبنى شرطة الشعبية ببحري. القصد من التصرفين اعلاه كان توريط المتظاهرين السلميين بأنهم غير سلميين، من أجل تبرير العنف تجاههم، وهي ممارسات تثبت ان العقلية التي تخترع هذه الأفعال هي عقلية تحتاج لإصلاح.
كما نطقتها الملايين ( الجيش جيش السودان ما جيش الكيزان، الجيش جيش السودان ما جيش برهان) فان إصلاح الجيش والاجهزة الأمنية وتفكيك العقلية الانقلابية وعقلية قتل المواطنين العزل هي احد اهم واجبات ثورة ديسمبر، ويجب إنجازها بصورة واضحة وحاسمة وبمشاركة المدنيين جميعا، فان لم نصنع جيشا لحماية الشعب والدفاع عنه وايقاف الانقلابيين، فان مستقبل هذا البلاد سيكون الحكم الشمولي إلى ما لا نهاية.
يوسف السندي
Sondy25@gmail.com