حدثنا الشيخ عبد الوهاب الطُّريري عن ذكرياته أيام المدرسة الابتدائية أنه لما قامت حرب يونيو في عام 1967 تواردت أنباء الإذاعة المصرية بنصر حاسم لمصر وجمال عبد الناصر، يقول الطريري: شعرنا بالنشوة ونحن نسمع أخبار سقوط الطائرات الإسرائيلية. رأيت صديقنا محمد السيف وهو أكبر منا قليلا يتحدث وكأنه عاد توًا من أرض المعركة، ويقول: ما تَدْرون أسلم جمال وتحارب اليوم مع إسرائيل، وطيَّحوا مصر طياراتهم كلها، ولا طاح لنا إلا طيارتين، ترى ما طيحوها إسرائيل لكين هي تصادمت في الهوا… (انتهى حديث الطريري).
طبعًا هذا التحليل الطفولي، هو نتيجة لتصور طفل غرير سمع أخبارًا غير صحيحة فانطبعت لديه صورة ذهنية بعيدة عن الواقع.
وفي أوقات الأحداث السياسية الكبرى يقع الناس ضحايا التضليل الإعلامي، فهم يدركون الواقع من خلال ما يطلعون عليه من الأخبار والتحليلات المتاحة، وتكون غالبية الأخبار والتقارير عبارة عن تلفيقات لطرفي صراع يتبادلان حربًا نفسية.
والكل يتعرض للوقوع تحت تأثير الشائعات وحروب التضليل الإعلامي، يتساوى في ذلك الوزير والغفير.
ومن لا يعايش العمل السياسي في داخله معرَّض بلا شك للتضليل وبناء الأحكام غير الصحيحة واتخاذ المواقف الخاطئة.
هذا مما أدركته من واقع العمل السياسي الذي عشت فيه وقتًا غير قصير، والحمد لله أن أخرجنا الله منه. أذكر أنني كنت أضحك مما أسمع وأسخر مما أقرأ وأنا المطلع على بواطن الأمور.
وأغرب ما يقع من تضليل في بعض الأحيان ما يتعرض له رؤساء الدول، وقد وصفوا البعض من هؤلاء بضحايا التقارير.
لما قامت “انتفاضة الحرامية” في مصر وهي الاسم الذي أطلقه الإعلام الرسمي على تمرد بعض القوات النظامية على عهد أنور السادات، استطاعت الأجهزة أن تخفي عن الرئيس أخبارها تمامًا، واقترحت عليه قضاء إجازة في أسوان. ووصلت مندوبة صحفية إلى أسوان تطلب إجراء حوار صحفي مع الرئيس، وسألته أثناء الحوار عن المظاهرات التي عمت أرجاء مصر، وأنكر الرئيس وجود مظاهرات، فأشارت الصحفية بيديها وقالت: انظر سيادة الرئيس من النافذة… وكانت المظاهرات قد وصلت إلى شوارع مدينة أسوان!
وما دام الأمر هكذا، فلا داعي لتكدير الخواطر بأخبار السياسة، والتنمُّر في وسائل التواصل ومقاطعة الأصدقاء والأرحام.
الأمر أهون من ذلك كثيرًا.