كنت قد نوّهت أول أمس عن نشر مكتوب بعنوان “جرد حساب حمدوك”، ثم تراجعت عن ذلك بناء على نصيحة من أثق في تقديراتهم وفضّلت الإنتظار بعض الوقت لعل هناك ما يظهر في تفسير ما فعله “حمدوك”، وهو نفس الأساس الذي كان قد حملني وغيري خلال فترة ما قبل الإنقلاب على التحفظ في القيام بهذه المهمة، فقد كان الرأي – كما هو معلوم – أن من شأن ذلك ما يُعين أعداء الثورة عليها.
الآن ما عاد هناك ما نخشى عليه، بعد أن وقعت الفأس في الرأس، وعاد الحكم لأيدي الفلول من عسكر ومدنيين، وعادت المعتقلات وبيوت الأشباح وغابت العدالة، وبعد أن إستقوى الإنقلاب بموقف “حمدوك” وحصل على إعتراف المؤسسات الأممية والإقليمية ومختلف الدول، وقسم “حمدوك” بفعله الشارع وأصبح هناك من بين الثوار ومعارضي الانقلاب من يقول: بأن لدى “حمدوك” خطة يضمرها ويعلمها وحده سوف تطيح قريباً بالانقلابيين، ومن يقول بأن “حمدوك” حُقِن بعقار روسي سلب إرادته وتفكيره، وبأنه وقّع على الإتفاق مع البرهان تحت تهديد بالتصفية الجسدية لشخصه وزوجته… إلخ. وبعد أن كان الإنقلاب على وشك الإختناق بفعل الموقف الدولي وجاهزية الشارع، أعاد إليه حمدوك بفعله – ولا أحد غيره – الروح.
من واقع حصيلة لقاء حمدوك بقناتي “الجزيرة” و “العربية” على التوالي، وضح أن كل هذه النظريات غير صحيحة، فقد كشف حمدوك بلسانه غاية ما في جعبته للمرحلة القادمة، وبما يمكن تلخيصه في ما يلي:
– أنه قبل العمل في رئاسة الحكومة الجديدة مع إعترافه بأن ما حدث إنقلاباً عسكرياً.
– ليس لديه سلطان في منع الإعتقالات ولا الإفراج عن المعتقلين.
– يقبل بأن تكون جماعة إعتصام القصر حاضنته الجديدة.
– ليس لديه قول ولا إعتراض على تشكيل مجلس السيادة الجديد.
– ليس لديه قول ولا دور في تشكيل المجلس التشريعي.
– ليس من بين همومه كسب الشعبية أو إرضاء الشارع، وأنه يفعل ما يراه (هو) في مصلحة البلاد.
وسوف نتناول في الجزء الثاني من هذا المكتوب جرداً لحساب حمدوك خلال الفترة السابقة للإنقلاب.