دموع غزيرة تدفقت وحروف صادقة سالت عبر الأسافير تبكي حبيب الكل محمد حمزة الكوارتي أصغر سكرتير في تاريخ الهلال، مقالات وكلمات كثيرة تزاحمت عند باب الوفاء لمن أجزل العطاء جاءت تعبر عن حزنها ولوعتها لهذا الفراق المر. الكل عبر فوق عبراته وفضفضت جبال الوجع بداخله إلا أنا، أبت كلماتي أن تشارك الناس موسم الحزن الأسود وتسجل حروفي حضوراً في سباق الوجع الممتد في دواخلنا منذ أن حلت الكورونا كوكب الأرض فأحالته إلى خيمة حزن دائم يتدافع الناس فيها بين حي وميت أيهما يسبق الآخر فالعلم عند الله.
غلبني الدمع على محمد فصعدت تل أحزاني أراقب النيل وأشكي إليه حالي فتردني موجة ثكلى فقدت رفيق أسفارها في رحلة حب لاتنقطع لأرض الكنانة التي أحبها “كوارتي” وارتبط بها بصورة ترسخ لعلاقة نموذجية بين شعبين شربا من النيل (الإناء الخالد) والشريان الحي الذي كم ماتت على جنباته مكائد السياسة وخيبات المصالح هنا وهناك.
تركت النيل يبكي وصعدت نخلات “كورتي” استنجد بدار أجداد مصعب فلم أجد إلا حيشان نامت على حيطان بؤسها، ورمال غائرة في هجير وجعها. فعدت لمظاهر أم درمان وليتني ما عدت فكل المظاهر هناك بكاء وكل الشوارع هناك نحيب …
بين يوم وضحاها استحالت حارة الكوارتة من مظاهر النعمة والثراء إلى حارة يتصاعد فيها البكاء وسوق جملة تباع فيه الدموع وتشترى، وتنتهي صلاحية الفرح ويبور..
أين أنت يا محمد أين انت أبا مهند.. أفي عمارات الخرطوم أنت تستقبل الخلفاء، أم في قصور غاردن سيتي تودع السفراء، أفي أم درمان أنت رفقة منالك شريحة حياتك أم في بحري أنت مع العباس المفضال، أفي المنشية أنت تستقبلك أخوات تيسير على باب ضريح شيخك الطيب أم في المولد أنت تشدو مديحك الطيب، أفي النادي أنت تراجع ميزانية الهلال، أم في الجوهرة أنت تتغزل في الجمال، أفي الملعب أنت مع صبحي وكندورة أم في غرفة اللاعبين تهمس في إذن تنقا وتترجم للرشيد نظريات نوغيرا، هل أنت الآن ترشف كوب من الذكريات مع قاقرين هداف كل الأزمان أم أنت مع الدحيش في ربوع بيت المال، هل أنت مع التوم يوسف في دار الاتحاد ياسند شداد أم أنت في القاهرة مع (السيد) تحمل هم البلاد.. هل أنت في الجريدة تشاركنا “التمنتاشرات” و”المانشيت” أم أنت مع أم يتامى تسلم حاجات البيت، هل أنت مع عائس تنتظرون عوض وأبا خطاب أم مع ذبيح الهلال سماعين زينة الشباب، هل أنت مع الفنان كسلا في بلاد زائد أم أنت في أم بدة تحل بعض الشدائد، هل أنت في مكالمة مع الرفيق شجرابي أم في طريقك إلى الحكيم طه ومعاك عبدالوهاب وكل الأحباب.
تاهت حروفي وهي تقصد عد مآثرك وارتدت حروفي وما غطت شمائلك. سامحني يا سادن الهلال فالفقد فوق طاقة الجبال، سامحني سكرتير الهلال الشاب فقد فجعت بموتك أسود الغاب.
يوم رحيل زعيم أمة الهلال الطيب كنا نظن أن الحزن وصل محطاته الأخيرة، إلا أن رحل كوكب الحب عبد المنعم عبدالعال ففجر في دواخلنا أنهار النزيف، وقبل أي يجف نزفنا أتانا النبأ أن نجم محمد قد خبأ وأن بدراً غاب وقمراً قد انزوى ..
مات محمد حمزة ومعه كم ماتت فضائل، رحل أبا المجتبى ومعه رحلت أطيب خصائل وجفت أنهار من العطاء وكثير من الجمائل.
سافرت يامحمد وملتقى الأهلة الاجتماعي ينتظر فزعاتك وإشعارات مساهماتك، ونصائحك وتسجيلاتك، عبد الرحيم بعدك من يشاور… عمدة من يحاسب، الجعلي كيف يرثيك، شيخ العرب كيف يحكيك وسعادة اللواء كيف يناور..
سنفتقدك يارفيق اللواء عثمان في كل القروبات، في الأفراح والملمات، في مرض الآباء في عرس الشباب في فرحة ألأمات. سنفتقدك ومعاي قرافي في رابطة الرياض ونرجو الله أن يحشرك في جنات من نخيل ورياض، سنفتقدك أخا أب تله في قروب شداد ونحتاجك يامحمد ومصائب كورتنا في ازدياد.. سنفتقدك ونحن ننتظر الصعود فنعود بأكياس “الصعوت”
سامحني يا صاعد الفردوس مع أبو إدريس إن عجزت أن أرثيك وأعدد مآثرك وبعض من جمال فيك، لكني أرجو رحمة رب كريم أن يجود عليك بغيث من الغفران، ويحشرك مع الرسول محمد شفيع الأمة سيد الأنام، وأن يجبر كسر بواكيك ويغريك السلام..
فعليك السلام من العزيز السلام يامن عشت بيننا باذلاً للخير رسولاً للسلام.