يسعى حمدوك جاهدا من أجل توقيع ميثاق سياسي مع العسكريين، ولكنه يحتاج لصناعة حاضنة سياسية بعد تنكره لحاضنته الأولى وهي قوى الحرية والتغيير، وبالطبع لن يعدم حمدوك من العثور علي حاضنة سياسية متزلفة من الاحزاب المتهافتة والكيانات السياسية الكرتونية، التي تبيع نفسها دوما في سوق النخاسة السياسي ولا تستفيد من تجاربها ولا تحترم الجماهير ولا الشارع ولا الثورات.
أزمة الاحتضان السياسي للانقلابيين بواسطة الكيانات الانتهازية هي أزمة ظلت تسود تاريخ السياسة السودانية منذ الاستقلال، حيث تتهافت القوى السياسية للجلوس تحت أقدام الانقلابين والدكتاتورين وتقدم لهم فروض الولاء والطاعة، مما يكسبهم شرعية زائفة تورد السودان المهالك.
كان المفترض أن يكون المنعطف الحالي الذي صنعته بسالة الشباب والكنداكات هو المخرج الصحيح من هذا الانبطاح المستمر، فالشارع السوداني رافض لشرعنة العسكر الانقلابيين ومتمسك بمدينة الدولة، وهي فرصة الطبيعي ان تستغلها الاحزاب السياسية والكيانات المدنية وأن تضغط من خلالها من أجل إقرار صيغة حكم مدني ملزمة للجميع والمضي بها مستقبلا نحو بناء الدولة المدنية التي يحلم بها الشعب، ولكن واضح ان كثير من المنشغلين بالسياسة في السودان هم عبارة عن كائنات طفيلية لا تفهم ولا تتعلم ولا تعيش الا على فضلات الاخرين.
من المؤسف ان الذين يشرعنون الانقلاب الحالي هم الحركات المسلحة، الحركات التي كانت توهم الجميع بأنها تقاتل من أجل العدالة والمساواة، تقف اليوم مع إهدار العدالة ومع تكريس التمييز!! اذا لم تضحك من قبل فان هذه التراجيديا يجب أن تضحكك، هذه الفضيحة التي أبطالها الحركات المسلحة اثبتت للشعب السوداني ان الذين يحملون البندقية جميعهم سواء، لا يهمهم الشعب ولا تهمهم معناته، هم مجرد طلاب سلطة وحظوة ليس الا.
من العجائب ان احد قادة هذه الحركات خان حتى نائبه، رغم ان نائبه معتقل بواسطة السلطات الانقلابية لم يتحرج هذا القائد من الجلوس مع الانقلابيين في مجلس السيادة!! هذه الكوميديا السوداء لا تحدث الا في زمان لا شرف فيه ولا نخوة، وهو زمان الشعب السوداني الشريف بريء منه وسيهزمه ويغيره.
ستدعم الحركات المسلحة البائسة والاحزاب الانتهازية حمدوك وتصنع له الحاضنة التي يبحث عنها، ولكنهم جميعا يعلمون ان الجماهير التي ثارت في ديسمبر ٢٠١٨ لن تقبل بهم ولن تشرعن وجودهم وسوف تواصل ثورتها حتى اسقاطهم في مذبلة التاريخ وتحرير السياسة السودانية من البؤس والانتهازية.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com