تمر بعد أيام الذكرى الثالثة لثورة 19 ديسمبر التي إنطلقت شرارتها في العام 2018م وأطاحت بنظام الرئيس المعزول عمر البشير. ومنذ ذلك التاريخ دخل السودان في حالة شد وجب وصراعات سياسية أرهقت الإقتصاد الوطني وتعطلت الكثير من المشاريع والأطروحات بسبب عدم الإستقرار السياسي والأمني والإقتصادي. وشكا قطاع عريض من الشعب السوداني من تسيير المواكب والتظاهرات بصورة متكررة مما قلل من أهدافها ومراميها وأضعف تعاطف الناس وتعاطيهم معها.
وتزامناً مع ذكرى الثورة دعت مجموعة من الكيانات والتنظيمات للخروج في مواكب ضخمة يوم 19 ديسمبر 2021م تم الحشد لها منذ وقت مبكر لتمتد التظاهرات لقرابة الأربعة أعوام في الشارع السوداني دون نتائج ملموسة على أرض الواقع حيث أرهق الخروج المستمر الشارع والمكون العسكري معاً إضافة للمعاناة الكبيرة للمواطنين في الذهاب إلى أماكن عملهم نتيجة لإغلاق الطرق بالمتاريس وإغلاق السلطات المختصة لمحيط المناطق الحيوية والكباري.
وبدأت الإجراءات لمواجهة المواكب في 19 ديسمبر بعد أن أعلنت العديد من الجهات للخروج بواجهات وشعارات متعددة منها من ينادي بإلغاء الإجراءات التصحيحية التي إتخذها رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان والبعض الآخر يطالب بالحكم المدني والتحول الديمقراطي بينما تنادي فئات بإبعاد قوى إعلان الحرية والتغيير من المشهد السياسي والمضي قدماً في الإجراءات وصولاً لإنتخابات حرة ونزيهة تحقق التحول الديمقراطي المنشود.
وأصدرت هيئة الطرق والجسور بياناً نوهت فيه بإغلاق جسر النيل الأزرق لأغراض الصيانة لثلاثة أيام فيما نادت القوات النظامية بسلمية المواكب وتجنب الإحتكاكات. فيما ساد القلق في الشارع السوداني لتكرار المشهد وتوقعات بعدد من الإصابات وربما نفقد أرواحاً عزيزة على يد جهات مجهولة المصدر تندس وسط المتظاهرين وتتصيد المشاركين لتأجيج التظاهرات برائحة الدماء.
من جانبه حذر الخبير والمحلل السياسي الدكتور أحمد حسن من إبتزاز السودان بإستمرار التظاهرات التي تدعمها بعض السفارات الأجنبية وبعض السياسيين السودانيين الذين خرجوا من دائرة السلطة بعد قرارات الـ 25 من أكتوبر. مؤكدا أن هناك بعض القوى السياسية في الداخل تتعاون مع أجهزة إستخباراتية إقليمية ودولية لإشعال الأوضاع الأمنية في السودان تمهيداً لدخول القوات الأممية وجعل السودان تحت الوصاية الدولية. وأوضح أحمد أن إصدار قانون ينظيم التظاهرات والمواكب السلمية لا يتعارض مع حرية التعبير وكل الدول في أعتى وأقوى الديمقراطيات في العالم لديها قوانين منظمة للتظاهر.
وأكد الخبير في العلاقات الدولية د. عاصم مختار أن إستمرار التظاهرات في البلاد يعيق مسار عملية التحول الديمقراطي ويضر بإستقرار الفترة الإنتقالية. ودعا عاصم إلى ضرورة تنظيم هذه التظاهرات وعدم جعلها ثقافة يومية تعطل حياة الناس مشيراً إلى حديث معهد السلام الأمريكي والذي ذكر فيه أن إستمرار المظاهرات في السودان يعرقل مسار الإنتقال السياسي ويعطي إنطباع بأن الفترة الانتقالية فترة غير مستقرة سياسياً وأمنياً.
وقال المحلل السياسي عوض عبدالفتاح أن دوافع مشاركة المسؤولين السابقين لقوى الحرية والتغيير في مجلسي السيادة والوزراء في المواكب التي إنتظمت خلال الآونة الأخيرة معروفة للعامة موضحاً أن تجربتهم السابقة في الحكم والتي تجاوزت العامين أثبتت أن لديهم مصالح شخصية وحزبية يسعون لتحقيقها وأنهم بعد أن وصلوا لسدة الحكم يمارسون الإقصاء والسعي لتشرذم الثواّر ورفضوا حتى لقاء المصابين منهم. موضحاً أن ملف الشهداء إستخدموه كورقة ضغط لتنفيذ مطالبهم.
ويقول خبراء ومحللون سياسيون أن تعاطي المسؤولين مع قضايا السودان بعد الثورة ضعيفة جداً ولم تنجز أية مشاريع على كافة المستويات ولم نر المصانع تعود للإنتاج ولا المشاريع الزراعية أثمرت حصاداً مبشراً كما لا توجد أية لمسات في مجال البنى التحتية من طرق وكباري وصحة وتعليم وغيرها من الإنجازات التي تصب مباشرة في مصلحة المواطن السوداني. وقال الخبراء أن كل هذا الصراع والتشاكس مرده إلى التنافس على الوصول للكراسي دون الإلتفات لقضايا المواطنين الذين صاروا وقوداً لإنضاج المخططات والأطماع الغربية.