بغض النظر عن صحة الأنباء التي راجت عن استقالة د. عبد الله حمدوك من عدمها، فقد لفت انتباهي خبر نشرته الصحفية المدققة أ.مها التلب، ذكرت فيه أن سبب الإستقالة هو عدم توافق القوى السياسية، كما اتصل بي صحفي أجنبي من إحدى كبريات المؤسسات الإعلامية الأمريكية مستفسراً عن صحة أخبار وصلته بأن سبب استقالة د. عبد الله حمدوك هو تخاذل الحرية والتغيير عن دعم خطواته الأخيرة!!
إن الأزمة الحالية هي نتاج مباشر للانقلاب العسكري، وتكرار الحديث عن القوى السياسية وعدم توافقها هو في الأصل تماهي مع خطاب الانقلابيين وتبرير لما اقترفوه من جرم في حق البلاد.
هذا الانقلاب لم تصنعه الحرية والتغيير ، بل إنها قد واجهته بصلابة قبل وقوعه، وكانت هي الهدف المباشر لمن قاموا به، ولذا كانت عناصر الحرية والتغيير هم أول من اقتيد إلى السجون، وسارع الجنرال البرهان بحذف اسمها من الوثيقة الدستورية، وسار اتفاق ٢١ نوفمبر حذو النعل في ذلك بالسعي لمحوها واستبدالها بمدنيين آخرين يطيعون الانقلابيين، ويسيرون في تنفيذ مخططاتهم، والآن تكتمل الحلقة بنشاط الأجهزة الأمنية المحموم وسط قوى الثورة لتجريم القوى السياسية، والتفريق بينها وبين مكونات الشارع الأخرى، بما يخدم الانقلاب، ويمنحه قدرة استمرار لم تكن ممكنة لولا غياب الجبهة الشعبية الموحدة لقوى الثورة.
إن الغبار الكثيف الذي يثار الآن لا يجب أن يحجب أعيننا عن البداهات من واجبات الساعة الملحة… الواجب الآن هو التوافق على جبهة شعبية موحدة لهزيمة الانقلاب، وتأسيس سلطة مدنية ديمقراطية حقيقية تستكمل مهام ثورة ديسمبر المجيدة، وتبني على ما تحقق من تقدم في العامين الماضيين، وتتجاوز العثرات التي واجهت قوى الثورة وأوجه قصورها العديدة … هذا هو المطلوب باختصار ووضوح وهو عاجل ولا يحتمل التأخير … فهلا قمنا به قبل فوات الأوان!