في سياق التبرير لتوقيع اتفاق ٢١ نوفمبر، كان الزعم بأنه جاء لحقن الدماء و إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، و بالضرورة ينسحب ذلك على حماية الحريات العامة من الانتهاكات، كما قيل أن الإتفاق سيفتح آفاقاً سياسية جديدة.
لكنّ الحراك الثوري الذي ظل متصاعداً منذ ذلك الوقت أثبت عدم صحة تلك التبريرات، و كان ينبغي أن يكون كافياً للتراجع عن ذلك الاتفاق الانقلابي الذي سرعان ما سقط في الاختبار على أرض الواقع و لم ينجح في وقف القمع الدموي و لا وقف انتهاك الحريات العامة، و لم يفتح أفقاً لأية عملية سياسية.
و فوق ذلك، فإن الشعب السوداني – عبر مواكبه الهادرة في مختلف الولايات – قال كلمته في الاتفاق منذ لحظة ميلاده، و لَمّا كان حبر أقلام التوقيع يسيل على الأوراق التي كتبت فيها وثيقة الاتفاق، كان الشباب الثائر يُوَقِّع وثيقة رفض الاتفاق بدمه المسفوح في الشوارع والساحات .. و ظل ملايين السودانيين طوال الاسابيع الماضية مُعْرِضين عن تبريرات الانقلاب و الاتفاق و مُصْغِين إلى موجتهم الأثيرة “حريّة ومدنية وفداء”، و مرددين شعارات الرفض للانقلاب و الاتفاق معاً.
المؤسف أنه رغم القمع المفرط التي قوبلت به مواكب يومي ١٩ و ٢٥ ديسمبر السلمية، و رغم عديد الانتهاكات الجسيمة و أساليب الإذلال و المهانة التي مورست ضد المشاركين فيها، لم تصدر أية إدانة أو تعليق من رئيس الوزراء أو مكتبه، و لا حتى من شاكلة تلك الجملة التي لم تَعْد تعني أكثر من حبرٍ على ورق لفرط تكرارها العقيم دون نتيجة: “تكوين لجنة تحقيق للكشف عن المتورطين في الانتهاكات و محاسبتهم” .. أمّا البعثة الأممية فاكتفت بالتحذير المسبق، ولكنها سكتت حتى عن “الإعراب عن القلق” إزاء الانتهاكات التي طالت أهم واجبات تفويضها وهو حماية حقوق الانسان !!
إن محاولة التحليق عالياً و بعيداً عن أقْدَس و أغلى سائلَيْن – و هما الدّم والدّمع – و التغافل عن كلِّ ما وقع من انتهاكات، يعني تحالف الصّمت مع الرُّصَاص و قنابل الغاز ضد الثوار