تثير استقالة رئيس الحكومة الانتقالية (الأولى و(الثانية) دكتور عبد الله حمدوك ،اليوم ٢ يناير ٢٠٢٢، أسئلة عدة، عن أسبابها .
هل استقال بسبب عدم التوافق بين مكونات الفترة الانتقالية، عسكرية ومدنية ،أم تحت ضغط قوى الشارع التي رفضت اتفاقه في ٢١ نوفمبر ٢٠٢١ مع قادة انقلاب ٢٥ أكتوبر من العام نفسه ؟.
بمعنى آخر هل توصل إلى أن حساباته وتقديراته كانت خاطئة بشأن اتفاقه مع البرهان ،وهي التي أجبرته على تقديم استقالته إلى الشعب (برد الأمانة ) وهو الذي اختارته (قوى الحرية والتغيير) لرئاسة حكومة الثورة، التي أطاحت الرئيس المعزول بارادة الشعب عمر البشير ،بعد ثورة شعبية في ديسمبر ٢٠١٨؟.
من الأسئلة المهمة في هذا السياق هل شكل إفشال الانقلابيين أهم مبرر طرحه حمدوك لتوقيع اتفاقه مع البرهان سببا من أسباب الاستقالة ، اذ قال أنه يسعى إلى حقن دماء السودانيين، لكن لم تتوقف شلالات الدم في كل التظاهرات السلمية حتى اليوم ؟.
واذا كانت القوى السياسية التي كانت تشكل (حاضنة سياسية) لحمدوك وشاركت معه في الحكم قد دانت اتفاقه مع البرهان ورفضت التعاون معه في إطار ما رأت أنه (شرعنة للانقلاب) فهل هذه القوى هي المسؤولة وحدها عن الأزمة الكبرى الحالية في السودان، أم أن الانقلاب هو مفجر هذه الأزمة غير المسبوقة منذ نجاح الثورة الشعبية السلمية في العام ٢٠١٩، وهذا ما أراه؟
لن أخوض في تفاصيل خطاب الاستقالة ، لكنني الفت إلى ما أراه أهم حقيقة تضمنها ، وجاءت في وصفه ما جرى في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ بأنه (إنقلاب) وفي هذا الوصف ما يستحق تأمل دلالاته.
أرى أن إنقلاب البرهان – حميدتي ،واتفاق البرهان – حمدوك الثنائي بعيدا عن (حاضنته السياسية) وضغط الشوارع التي ترفع أعلام (الحكم المدني) وفشل حمدوك في وقف القتل والممارسات القمعية للانقلابيين في مواجهة المتظاهرين السلميين، وضغوط دولية على النظام الانقلابي في هذا الشأن ،من أهم أسباب الاستقالة.
أعتقد بأن الاستقالة مهمة، للسودان ولحمدوك، ولثورة الشباب .
وفيما تعبر الاستقالة عن ثقافة مفقودة لدى قيادات عسكرية وسياسية وغيرها فان من ايجابيات الاستقالة على سبيل المثال أنها ستبعد رئيس الحكومة المستقيل – الذي انتقدته في مقالات ووصفته في الوقت نفسه مرات عدة بالرصين والمحترم – عن دائرة تحمل مسؤولية خطايا إضافية يرتكبها الانقلابيون.
كما أن الاستقالة تعني أن الرجل منسجم مع قناعاته وقرأ مجريات الأحداث ، ما يؤكد عدم قدرته على العمل في هذا المناخ المسموم والمشحون بالخطايا .
خطايا الانقلابيين تكمن حاليا في قتل المتظاهرين السلميين ، وسوء إدارة دولاب الحكم ،اذ يسيطر الانقلابيون على القرار، وسعوا إلى اكتساب الشرعية عبر حمدوك ، مع تخطيط لتحميله مسؤوليات أي اخفاق حكومي رغم سيطرتهم على القرار.
نعيد للأذهان رد البرهان على حمدوك حينما تجرأ رئيس الحكومة المستقيل وقال ان موارد الحكومة الاقتصادية ٢٠ بالمئة وان نحو ٨٠ بالمئة تسيطر عليها مؤسسات عسكرية، حيث رأى البرهان في رده آنذاك في خطاب أن حمدوك بهذا الكلام يخفي فشل حكومته.
استقالة حمدوك ، تتعدد أسبابها، لكنها مهمة في رأيي ،اذ سيجد الانقلابيون أنفسهم أمام ورطة كبيرة ومآزق لا حصر لها ، وبينها تحديات الشوارع الثائرة والتي ستثور أكثر من أي وقت مضى ،كما أن غياب حمدوك المقبول دوليا سيضع الانقلابيين وللأسف السودان وشعبه أمام تحديات حصار خانق اذا استمرت الأوضاع الراهنة.
هذا يعني أن أمام البرهان – حميدتي. والمجموعة الانقلابية خياران لا ثالث لهما.
الخيار الأول إما التراجع عن الانقلاب في سبيل فتح فرصة لمعالجة الأزمة المستفحلة بعد انقلابهم المشؤوم الذي لا يحترم إرادة الشعب السوداني وخياراته في الحرية والديمقراطية والحكم المدني ،أو مواصلة التعنت و ضرب الرؤس على الحائط ،ما يعني اختيار طريق القمع والقهر والانتحار ، والسقوط اذا واصلوا السير على هذا الخط المدمر للسودان وشعبه وتطلعات شبابه .
في هذا السياق أرى أن استقالة حمدوك ضربة موجعة لقادة انقلاب أكتوبر ٢٠٢١، ومن آزروهم بأساليب عدة.
كما أرى أن تفاعلات ما بعد الاستقالة ستدعم خيار الشعب ،وحقوقه المشروعة في (الحرية والسلام والعدالة)، وقد تفتح بابا لثقافة مطلوبة وهي ثقافة الاستقالة، أمام عسكريين يحكمون الآن ، ومدنيين أيضا، احتراما للنفس وحقائق الواقع ، وخوفا من التاريخ ، واقرارا بالفشل ، وتقديرا لنبض شباب من الجنسين ، تقترن أقوالهم بأفعالهم،ويقدمون يوميا درسا جديدا .
ويبقى التحدي الأكبر لانجاح ثورة الشوارع السلمية يكمن في ضرورات توحيد خطى قوى (الثورة والتغيير) وفق برنامج متفق عليه لا مكان فيه لأمراض (الأنا).
اتفق معك يا استاذ في كل ما ذهبت اليه .. ولكني كنت اتمنى ان تذهب الى دلالة تقديم استقالة حمدوك الشعب السوداني وليس الى البرهان
اهم ما ستفرزه استقالة حمدوك انها ألغت الاتفاق السياسي بينه وبين البرهان وبالتالي البرهان بقى قاعد فى الصقيعه