قبل ايام صدر بيان من الحركة الشعبية تحدث عن زيارة وفد من الادارة الاهلية لمنطقة تلودي حمل مغالطات كثيرة، منها أن الوفد قد ذهب لمبايعة الحركة الشعبية، مع تقويل الامير محمد ابراهيم شمشم أمير تلودي ما لم يقله. اتصل عليّ أحد الاصدقاء من قبيلة اليسار وهو من الداعمين للحركة الشعبية شمال وبيننا حوار مستمر مداعباً وربما شامتاً علي وهو يقول لي جماعتك واهلك ناس تلودي خلاص بايعوا وبذلك أنتهى الأمر “لقد وُضع القلم وجفت الصحف “. فكان ردي له تلودي التي أعرفها وإدارتها الاهلية لا أتوقع منها ذلك وبافتخار قلت له هؤلاء أسود ليس بينهم حتى شبل؟ اعطني فرصة أتأكد من حقيقة ذلك لكنه حاول محاصرتي بارساله الرابط الذي ورد فيه حديث الناطق باسم الحركة. تواصلت مع عدد من المعارف داخل السودان للأستيثاق من الحقيقة، لكن لم أجد رداً سريعاً يريحني من شماتة الصديق الذي ظل يلاحقني بالاتصال من وقت لآخر، وأنا الذي كنت اهز أمامه مفتخراً بصمود أهل تلودي وثبات موقفها من الحركة الشعبية والقضايا الوطنية وأعضد كلامي بكثير من الوقائع والاحداث. فتلودي والليري للذي لا يعرفهما هما اخر مدينتين في الحدود مع الجنوب من جهة أعالي النيل والوحدة وهي من أول ضحايا هجمات الحركة الشعبية. وتذكرون قرية القردود من ضواحي تلودي والتي تعرضت لهجوم من كتيبة التمساح في 1985م فقتلوا أكثر من مائة شخص وهم خارجون من صلاة الفجر في شهر رمضان. ومن ذلك التاريخ ظلت جرائم الحركة حاضرة في ذهن أهل تلودي ولم يغفروا لها هذه الفعلة ابداً واستعصى عليهم نسيانها. تلودي اجتماعياً هي خليط من اثنيات السودان العرب / النوبة / الفلاتة / دينكا ثم قبيلة الجلابة من قبائل الشمال من دناقله وشايقية وجعليين وجوامعة وفلاته التي تدير تجارة السوق مع وجود للاقباط والاغاريق الذين لم يغادرونها الا في بداية الثمانيات بعد التدهور الامني وتهديدات الحركة الشعبية. بينما كانت شئون الادارة الاهلية في يد قبيلة تلودي ذات الشوكة. هناك قبائل أخرى تسمى تلودي النوبة التي دخلتها من منطقة قدير فراراً من قوات الثورة المهدية التي عسكرت في قدير بالاضافة الى تسومي وطمطم الذين صمدوا بشجاعة ايام الحصار. تعرضت تلودي لاربعة هجمات قوية من الحركة الشعبية وآخرها في عام 2012م في محاولة لإحتلالها. ولو قدر للحركة الشعبية إحتلال تلودي لاختلت موازين القوة. لأن تلودي موقعها استراتيجي ومن خلالها يمكن التحكم في كثير من مناطق الجوار وسهُل انتشار الحركة شرقاً وحركة الامدادات من الجنوب، لكن حادث القردود لم يترك مجالاً لقبول الحركة الشعبية واعطائها موقع قدم. لقد استبسل اهلها شيبة وشباباً ونساء وثبتت الادارة الاهلية في حماية المدينة متضامنين مع حامية الجيش التي ابلت بلاء حسناً ومعها الدفاع الشعبي. وفي هذا المقام نترحم على الشهداء الذين ماتوا دفاعاً عن المدينة أمثال اسرة الاخ دفع الله التي قدمت شهيدين أشقاء. ولا ننسى المساعد الطبي حسين رحمة الذي ذبحته قوات الحركة وهو على موتر يحمل أدوية لاهلة الذين حاصرتهم الحركة في قرية أم دوال من ضواحي تلودي، فقله ذبحاً هو وأكثر من عشرين شخص آخرين من الاذان الى الاذان لهم الرحمة. وكذلك نترحم على شهداء (القردود/ ام سكينة /أم دوال / مفلوع / البطحة أم حقين التي لا أنسى حادثة أغتيال ابن عمي وخالتي حسن السعودي الذي نحرته قوات الحركة على جمله وهو يحاول استرجاع المئات من ابقاره التي سيقت في اتجاه كندرمه وكاودا ولم تعد حتى اليوم. إنها مرارات لا يمكن نسيانها بسهولة والتي غزًت كتائب الدفاع الشعبي بابناء الضحايا الشهداء. لهذا كنت أجزم لصديقي الشامت أن أهل تلودي لا يمكن أن يتجاوزوا هذه المرارات بسهولة إلا باتفاق سياسي فيه إعتذار من الحركة مع التعويض ورد المظالم ، حوار يبحث اسس التعايش السلمي ورد المظالم وكما ما ورد في مذكرة التفاهم التي قدمها وفد تلودي التفاوضي لا المبايع في زيارته لكاودا. وبحمد الله مؤخراً صدر بيان من الادارة الاهلية لتلودي وفيه توضيح لما حدث. حيث ورد في بيان الادارة الاهلية أن وجهة وفد تلودي كان منطقة انقارتو التابعة لمناطق الحركة الشعبية في محاولة لحل نزاع وقع بينهم وأهالى مفلوع التابعة لمنطقة تلودي حول ملكية منجم للذهب. لكن بذكاء شديد حولت الحركة مسار الوفد ليكون الى كاودا حيث مقر رئاسة الحركة ليتم تنظيم برنامج لثلاثة ايام ينتهي بمبايعة الحركة. وهنا سجل الامير/ محمد ابراهيم شمشم والعمد واعضاء الوفد موقفاً حاسماً بانهم جاءوا لمعالجة مشكلة محددة مع طرح امور تتعلق بتعزيز التعايش السلمي بالمنطقة مثل فتح الطريق الذي يربط بين تلودي / كادوقلي المغلق منذ بداية التسعينات وكذلك فتح الطرق البينية لتسهيل حركة المواطنين. هذا بالاضافة الى المطالبة برد بعض جناين الفاكهة بانقارتو التي صادرتها من ملاكها. مع التأكيد أن وفد الادارة الاهلية ليست له أي علاقة ببرنامج يتعلق بالمبايعة. كما نفي الامير شمشم بشكل قاطع بأنه لم يصرح أبداً “أن الحركة الشعبية قادرة على إنتشال المواطن من وحل الازمة السودانية لقوة طرحها وحنكة قيادتها ” لأن ذلك شأن الدولة. بصدور هذا البيان من الادارة الاهلية تلودي اتصلت على صديقي وانا مرفوع الرأس وقلت له هل قرأت بيان الادارة الاهلية لتلودي يا كمرد؟ وكما قلت أنت أنا أقول “خلاص رفعت الاقلام وجفت الصحف” تقول لي شنو تقول لي منو… فتلودي ليس لها من الحركة الشعبية الا بقدر ماتعرضت له من اضرار واهلها يتعاملون بوعي كامل لمصالحهم ومع ذلك سيظلون ينشدون السلام ويعملون من أجله، فضحك وقال لي طيب سانتظرك في محطة أخرى. ماذا تعرف ايها القارئ عن مدينة تلودي؟ • هي عاصمة مديرية جبال النوبة أيام الاحتلال الانجلبزي. ثم انتقلت الادارة منها الى رشاد ثم كادوقلي في اعقاب انتفاضة أهل تلودي ضد مامور المديرية أبراهيم ابورفاس 1906 والتي كانت من أوئل حركات المقاومة الوطنية. قاد هذه الانتفاضة عبدالله شمشم جد الامير الحالي محمد ابراهيم ومعه عصبة من أهلة تلودي (اولاد دامره وآخرين) نقف احتراماً لما سجلوه من بطلولات حيث تعاهدوا أن يقتلوا الحاكم وحرسه الاربعين طعنا وهم على ظهور خيلهم في سباق الجمعية للخيل الذي ينظمه ويشرف عليه سنوياً حاكم المديرية أبو رفاس. فنفذوا ذلك بشجاعة أنتقاما لانتهاكه شرف القبيلة في سوء التعامل مع اثنين من نسائهم وفساده. حيث قبض عليهم جميعاً لاحقاً ونفذ عليهم حكم الاعدام شنقاً. وللتاريخ عندما استعدى الانجليز قبائل الجوارعلى تلودي واباحوا دمائهم وأموالهم رفض ناظرالحوازمة عبدالعال حماد اسوسه التعاون مع الانجليز والمشاركة في الحملة مما عرضه لمساءلات صعبه وصنف متضامناً مع التمرد، وهذا الموقف يقدره جيل الكبار والاحفاد من تلودي. • تلودي لهم تصاهر مع آلحوازمة آل حماد اسوسه بالحمادي لزواجه من آل حسين رحمة (والد السياسي قمر حسين /حزب الامه). وكذلك تلودي من جهة أل شمشم متصاهرين مع ناظر ولاد حميد عبدالرحيم راضي كمبال في ابوجبيهة الذي تزوج من بنت العمدة شمشم. كما لتلودي امتدادات مع المسيرية وصلات رحم. مما جعل الادارة الاهلية في تلودي متمددة اجتماعياً الى الحمادي شمالاً وابي جبيهة شرقاً، وبعلاقات طيبة بلا عقد تجاه الآخر، أو حواجز أو انغلاق بسبب هذا التنوع. لهذا نجد مجتمع تلودي يستوعب كل المكونات الاجتماعية في سودانوية متفردة (Sudanism). • تلودي قدم أعيانها أول مذكرة احتجاح على قانون المناطق المقفولة سنة 1936م فكان لهم شرف المبادرة التي اسقطت قانون المناطق المقفولة ((Apartheid . • تلودي كانت مدينة حاضنة لقيادات والاجتماعات الباكرة لمجموعة اللواء الابيض بقيادة علي عبدالله اللطيف ومسقط رأس المناضل/ عبدالفضيل الماظ الذي يفتخر احفاده بانتمائهم الى تلودي. فكان حضورتلودي قويأ ومن أكثر مدن السودان مشاركة في نضال الحركة الوطنية. فقد ذكرها البروفسير محمد سعيد بشير في كتابه عن الحركة الوطنية كثر من سبعة عشر مرة. • تلودي فيها نشأت وترعرعت الحاجة مريم سلامة السيدة الاولي زوجة الزعيم الازهري. • تلودي كانت بها عائلة أبتر التي انتقم ابنها قاسم ابتر بقتل ضابط انجليزي اساء التعامل مع عمه خليل ابتر.
•تلودي منها عائلة ناصر تمساح أهل الجود والكرم التي لا تنطفئ عندهم نيران قدور الطعام حتى تُشبع أهل المسغبة وأبن السبيل والاسر الضعاف في سنين العسرة ووقت الشينة. • تلودي بها أكبر محالج القطن في جبال النوبة وفرع لمؤسسة جبال النوبة الزراعية.
كمرد عبدالعزيز الحلو زميل دراسة يحسن التعامل اجتماعيا لطيف في التعامل لكن مشكلته في اليسار الذي يحاول اختطافه وانتزاعه من واقعه الاجتماعي المتسامح. فلو وطن فكر الحركة انطلاقاً من ارث المنطقة القائم على التسامح والتحالفات لجاءت مكونات المنطقة منقادة داعمة ومساندة له. لا استغرب أبداً أن يكون القائد الحلو قد تعامل مع وفد تلودي الزائر بادب جم واحترام، لكن كل هذا يسقط امام خطط مستشاريه من اليسارالذين يباعدون الحركة عن حاضنتها الاجتماعية الحقيقية بافكارهم الوافدة للمنطقة. نعم تلك هي تلودي الصامدة في وجه التحديات و التحولات السالبة فهل تعرفنا عليها.