• كان د. عبد الله حمدوك، قد وضع، بمخاطرةٍ غيرِ محسوبةٍ جيداً، طوقَ نجاةٍ للفريق البرهان، وعصابة إنقلابه، وماليشياتِه، وجنجويدِه، حين أقدم على توقيع إعلانٍ سياسيٍّ منفردٍ معه، ليخرجه من ضيق الحرج، وعقابيل التهور، وشنآن الرفض والعزلة والحصار، بعدما إرتكب خطيئة الإنقلاب، وكان ظن حمدوك أن ذلك (سيحقن دماء السودانيين).. ولكنَّ البرهان لم يُرِد لحمدوك أبداً أن يلعب دوراً محترماً رصيناً لرئيس وزراءٍ محترمٍ ورصين، في دولةٍ ناهضةٍ ومحترمة، وإنما أراد أن (يلعب به) دور الإضَيْنة، وعينه على حكم كل السودان منفرداً..والإضَيْنة في الحَكْي الشعبي هو الرجل الذي إذا ضربته مائةَ مرة، ثم أعتذرت له مائةَ مرة، لسامحك على ضربِه مائةَ مرة، ولظلَّ على الولاء، والمحبةِ لك !!
• والحقيقة فإنَّ البرهان لم يغيِّر من طباعِه من شئ، بل تصرف كما كان بالضبط قبل أن يرأس المجلس العسكري، عند سقوط البشير، حيث كان (رباً للفور) قبل ذلك، فأحيا منهم من أحيا، وحرق من حرق، وقتلَ من قتل، وحين وضعته الأقدار في هذا الموضع لم يرضَ أبداً – وقد ذاق ‹جبروت الربوبية› ونستغفر الله- إلا أن يكون (رباً) للسودانيين كلهم، وليس للفور وحدهم، وهذا ما تصرَّف على هديِه بالضبط، مع حمدوك قبل الإعلان السياسي الموقع بينهما، ومن بعده !!
• لقد ظلَّ البرهان يسعى بهمةٍ عجيبة للإستفراد بالسلطة من حمدوك، وكم من مرةٍ طلب إلى الشعب السوداني، من داخل الثكنات العسكرية أن يفوِّضه للإنقلاب على الحكومة المدنية العاجزة بنظرِه، وفي سبيل ذلك تآمر مع كل طامعٍ من الكيزان، ومع كل مرتزَق، ومع تِرِك ومناوي، والتوم هجو، وحتى مع (جماعات النقرز) ليزعزعوا الأمن فيصرخ المواطنون وينادوه لينقذهم!!
كان البرهان يفعل كل ذلك بوضوح، وبلا مواراة، ليخنق الحكومة الإنتقالية المدنية، وليسقطها.. ولمَّا أستعصت عليه، ولم تسقط، لم يتبقى أمامه إلا الإنقلاب العسكري الصريح، وقد فعل !!
هذا البرهان لن يغيِّر رغبته في الإستفراد بحكم السودان منفرداً، ولو على جثث كل أهل السودان، والخير للسودانيين، وعلى رأسهم القوى السياسية(المحللة) لإنقلابه أن يفهموا ذلك !!
• لقد وضح لحمدوك -بعد فواتِ الأوان- خطأ تقديراته في البُرهان، وخاب فيه ظنه، وكلَّفه ذلك الإستقالةَ من منصبه ليضع السودان كله على حافة الهاوية..
كما أتضح كذلك (خطل) تقديرات (المُشفقين والعقلاء) ممن سعَوا لإخراج البرهان من ورطتِه، وعلى رأسِهم قيادات الأحزاب العتيقة، إذ لم يضع البرهان لخاطرِهم شأناً، وظلَّ يقتل شبابنا بلا هوادة، حتى بعد توقيع الإعلان السياسي مع حمدوك، وهم الذين ظنوا، مثل حمدوك، أنَّ هذا الإعلان السياسي سوف يعصِمُ الأرواح، ويحقنُ الدماء !!
• الوحيدون الذين لم ينخدعوا قطُّ في البرهان، ولم تخطئ فراستُهم أبداً فيه، هم شباب وكنداكات التروس، فلقد ظلوا، منذ أن جيئ لهم بحمدوك، من محبسه، ليوقِّع الإعلان مع البرهان، يرددون بإصرارٍ عجيب : (البرهان وسخان جابوه الكيزان) وإستمر هذا الرأي الصائبُ فيه حتى اليوم، وحتى غدٍ، وبعد غد !!
• حمدوك تصرف برصانة مع البرهان، ولكن (رصانةَ) البرهان المقابِلة هي بالضبط كما قال فيها ويراها شبابُ وشابات التروس !! فلقد قتلهم، من قبل، أمام بوابة القيادة العامة، وأحرق عليهم خيامهم، وهم نيام، ورمى بجثث شهدائهم في بطنِ النيل..وليس بعد القتل شئ، ولهذا لم ينتابهم شكٌّ قط في أنه لا يؤتمن، وأنه لن يحترمَ إتفاقاً مع أناسٍ محترمين -كحمدوك- أو غير محترمين كجبريل ومناوي والتوم هجو !!
وهكذا ظل يقتلهم بتلذذ، ومن بعد الإعلان السياسي، لأن هذا طبعُه المعروف، ووسيلته إلى غايتِه، كما ظلوا هم لا يثقون فيه، وهذه فراستُهم المُلهَمة!!
• معليش أخي دكتور حمدوك، فأنت رجلٌ طيب، وذو خُلُق، ومخلصٌ، ومتواضع، ولكنَّ غريمَك ليس طيباً، ولا ذو خلق، ولا مخلص، ولا متواضع، بل هو كان يزعمُ أنه (ربُّ الفور) ولن يقبل إلا أن يكون (رباً) من جديد، على كل السودانيين، طالما تهيأ الأمرُ له، وقد بشَّرَه به والدُه من قبل، ولعله لا يعلم أن الكبرياء والعظمة هما رداءُ الله وإزارُه (ومن نازعه فيهما قصمه، سبحانه، ولا يبالي)
وشكراً لك !!
•••
احسنت وجزاك الله خير علي هذا المقال الرصين