يحاول هذا المقال التأسيس لتجذير فهم محتوى التحول الديمقراطي في ظل فترات الانتقال ومتطلباته، ومن جانب آخر يحاول فضح فكرة ربط الديمقراطية فى بعد واحد فقط هو إجراء الانتخابات كيفما تكون. هذا الترويج الذي تعمل جهات عديدة(مدنية وعسكرية) على تسويقه لانه يشكل لها خروجا امنا عن المحاسبة والمساءلة فيما اقترفته من جرايم بحق الشعب، وفي ظني هو كلمة حق اريد بها باطل، اذ ان المحصلة النهائية لمراحل التحول الديمقراطي هو إجراء انتخابات شفافة ونزيهة وفق معايير متفق عليها لتؤسس لدولة مدنية ديمقراطية وتقطع منابت الاستبداد السلطوي.
لكي نقترب من هذه الرؤية لابد في البدء التعرف على مفهوم الديمقراطية، وخصائص النظام الديمقراطي، ومزاياه، ومكوناته، واركانه، والمقومات الاجتماعية التي يقوم عليها ومن ثم إسقاط هذه المعايير على الواقع السوداني ومدى تطابقها مع متطلبات الانتقال..
▪️مفهوم الديمقراطية:
الديمقراطية اصطلاحا هي نظام حكم حيث تكون السلطة العليا بيد الشعب، أو حكم الشعب بالاغلبية.
هي نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ويشير الي ثقافة سياسية وأخلاقية معينة تتجلى فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلميا وبصورة دورية.ويكبيديا……
ترتبط الديمقراطية كنظام اجتماعي-سياسي متكامل بمعايير إنسانية تتمثل بالشرعية والمساءلة والتداول السلمي للسلطة.
▪️خصائص النظام الديمقراطي:وفقا لمحاضرة للأستاذ حسن طاهر الحسيني الأستاذ بجامعة بابل بتاريخ 10/6/2018
يمكن تحديد خصائص النظام الديمقراطي إجمالا لاتفصيلا، وتضمينها في الدستور بمايلي:
-الدستور الدايم الذي تجيزه جمعية تاسيسية وينال رضا الشعب ويعبر عنه بمختلف مكوناته.
-حكم القانون ويعني احتكام الجميع للقانون والتساوي أمامه حكام ومحكومين.
-حرية التعبير وإبداء الرأي
-حرية التنظيم وتكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني.. الخ
-استقلال سلطة القضاء استقلالا تاما.
-كفالة الحقوق العامة وحقوق الإنسان وفق المعايير الدولية التي تضمنتها المواثيق الدولية.
-سلطة تشريعية مستقلة تقوم بمهام المراقبة والتشريع.
▪️مزايا النظام الديمقراطي:
تحرص الشعوب على تطبيق مبادى الديمقراطية لأنها تحقق لها المزايا التالية:
-المساواة بين جميع أفراد المجتمع.
-الايفاء باحتياجات الشعب، فكلما كان رأي الشعب له وزن كلما زادت إمكانية أن تنعكس أهدافه في السياسة العامة للدولة.
-الحوار الصريح والموضوعي والتفاعل بين الاراء، والحق في التعبير عن الخلافات.
-كفالة وحماية الحقوق والحريات الأساسية وعدم التعدي عليها.
-تجديد قوة المجتمع وتطوره، وانتظام الوعي داخله.
-تحرير عقلية الإنسان من الخوف والتبعية ، وتمتعه بالتفكير المستقل.
-تأسيس منظومة تعليمية قايمة على أسس الديمقراطية واختلاف الرأي واحترامه..
-تحقق السلام الاجتماعي وتعظم مفاهيم التعايش.
▪️مكونات النظام الديمقراطي:
توليها المدارس السياسية والاجتماعية اهتمام خاص وهي:
-انتخابات حرة وعادلة ونزيهة.
-نظام انتخابي متفق عليه بين مكونات المجتمع.
-حكومة يجب مساءلتها وتبديلها.
-الحقوق المدنية والسياسية.
-مجتمع ديمقراطى يقوم على مؤسسات مدنية مستقلة.
-قيادة سليمة ونزيهة وذات كفاءة.
-المساواة الاقتصادية وتكافؤ الفرص.
-المساواة الاجتماعية ومحاربة التمييز على اساس كان. وضمان معيار الكفاءة للوظيفة العامة.
-إشاعة ثقافة الوعي الديمقراطي من خلال مؤسسات الاعلام والتعليم.
▪️أركان الديمقراطية:
-سيادة الشعب باعتباره صاحب السلطة والمشروعية.
-حكم قايم على رضى المحكومين.
-حكم الاغلبية الانتخابية.
-ضمان حقوق الاقلية وعدم هضمها.
-ضمان حقوق الإنسان وعدم المساس بها.
-المساواة أمام القانون ومحاكمة الجرايم واقرار مبدأ عدم الافلات من العقاب.
-اتباع الإجراءات القانونية.
-القيود الدستورية الواجب تطبيقها.
-التعددية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
-قيم التسامح والتعايش والتوافق.
▪️المقومات المجتمعية للديمقراطية:
وهي قيم يرتكز عليها النظام الديمقراطي وبدونها تفرغ الديمقراطية من مضامينها متمثلة في:
-اعتبار المواطنة مصدر الحقوق والواجبات.
-الشعب مصدر السلطات.
-الأحتكام إلى شرعية الدستور واتساق القوانين معه.
-قيام مجتمع مدني مستقل ونمو رأي عام مستنير.
-تحول الديمقراطية الي قيمة اجتماعية ومعيار أخلاقي وأساس للاختيار في أصغر وحدات ومؤسسات المجتمع.
-اتباع سياسات الضمان الاجتماعي وبناء دولة الرعاية الاجتماعية.
-بناء تنمية مستدامة والاهتمام بتنمية الريف لضمان تراجع الولاءات الأدنى لصالح الانتماء الوطني.
▪️معايرة تجربة الانتقال الديمقراطي:
إذا أردنا إسقاط المفاهيم التي تستوجبها تجربة البناء الديمقراطي على واقع الفترة الانتقالية فإن الحديث عن انتخابات مبكرة بمعزل عن تنفيذ مهام الفترة الانتقالية هو محاولة لتشويه الديمقراطية وبناءها على رمال متحركة، فالواقع الموضوعى يقول بأنه لايمكن انجاز تحول ديمقراطى حقيقى في السودان الا:
-انشاء المفوضيات المرتبطة بالتحول الديمقراطي.
(الانتخابات – الدستور – مكافحة الفساد)..
-تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي.
-تفكيك بنية النظام القديم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية.
-محاربة الفساد والجرايم التي ارتكبت بحق الشعب.
-محاكمة رموز النظام القديم.
-تحقيق السلام الشامل ووقف الحرب.
-بناء جيش مهني محترف وموحد بعقيدة وطنية تحترم الدستور وتحرسه.
-تفكيك المليشيات المسلحة بالدمج والتسريح.
-ضمان تحقيق العدالة الانتقالية والقصاص للشهداء.
-صناعة دستور دايم قايم على التوافق العريض.
-انعقاد المؤتمر الدستوري لتحديد كيفية حكم البلاد وإدارتها.
-اجازة قانون انتخابات ديمقراطى قايم على تمثيل القوى الإجتماعية الفاعلة والمؤثرة.(شباب – مرأة – مهنيين – قوي حديثة).
-إحصاء سكاني شامل وفق نظام دقيق..تتحدد على اساسه الدواير الانتخابية وفقا الكثافة السكانية.
-تحديد نظام انتخابي متفق عليه.
-عودة النازحين والسودانيين في مناطق اللجوء إلى مواقعهم..
-تحديد نظام محوكم للهوية الوطنية لضمان عدم التزوير والتصويت في أكثر من مكان.
-ربط نظام السجل الانتخابي بنظام الإحصاء المحوكم.
-تأسيس نظام رقابي للانتخابات لسد ثغرات الفساد الانتخابي..
ان الحديث عن انتخابات مبكرة في هذه الظروف هو أشبه بإعادة استنساخ لتجارب فاشلة في التحول الديمقراطي لن تنتج الا إعادة أزمات التطور الوطني والدوران في الحلقات المفرغة.