من اوضح وألد خصوم الانتاج العقلي المنتج الذي من المفترض ان يفضي الى نتائج مفيدة هى الثقافة السمعية اي الركون الى معلومات غير محققة وشراء كل معلومة بابخس الاثمان – اى اعتمادها بدون تمحيص او مراجعة. ولكن فان تأسيس قاموس لغوى مشترك ولجوء الجميع الى استخدام كلمات وعبارات متشابهة ومستنسخة رغم اتساع الشقة الفكرية والسياسية بينهم احيانا فذلك يعني الكسل العقلي وطغيان ثقافة سياسية تنزع للغش وتلغي خصوصية وهوية الافكار، فلا تبحث ولا تقرا، وبالتالي فهى لا تتميز بإنتاجها ومنتجاتها الخاصة.
ويعد تكرار مفردات وتراكيب لغوية وجريانها على كافة السن المحللين واحيانا بعض الكتاب امرا يدل على عدم اتخاذ البحث او الاستقصائية سبيلا للوصول الى الاستدلالات والأحكام.
ان انتشار عبارات ك (مخاطبة الازمة من جذورها) و (خطاب الكراهية) وايغال الكل في استعمال (صفرية) و( الصفرية) و( حقيقة بالتنوين) فيما يسوى ولا يسوى، ومع غيرها من استخدامات لغوية اخرى كثيفة امر مشين وصادم للغاية ويؤكد على استسهال العلاقة مع اللغة والوصف وقفل باب الاجتهاد في التعبير. ولكن وقبل ذلك ينبغي اقرار ان ثمة ازمة لا تضرب فقط مضمار وميدان انتاج الحلول والتصورات لواقع سياسي جديد بقدر ماهي ازمة في منظومة التفكير السياسي المنتج العام بسبب عدم التغذية البحثية التحليلية النقدية للظواهر وللاشياء.
لا مناص من اعادة تفعيل العقل وتنشيط خدماته. لا مناص من بناء علاقة ابتكارية وبحثية للواقع العريض حتى نبلغ رشدا وحكمة لطالما افتقدناها اخيرا في نماذج السودانيين الذين يتصدون للشأن العام والسياسي منه على وجه الدقة والخصوص.
لقد ابتذلت ثلاثة عقود من الاستبداد التفكير العقلي والعقلاني البحثي وها ذا نحن إزاء مجتمع باكمله ممن يخرجون ويبحثون لنا عن واقع سياسي جديد يعيد انتاج ازمة العقل السياسي واعتماد ثقافة الابتذال ( دون تفويض الابتذال صنو الاستبداد السياسي والثقافي، ولا نزال نسبح في نهره ونتنفس من هوائه الملوث الذي تكلف مهمة وواجب تنقيته نهوضا وثورة على ثورة تقترح المشي اولا على طرقها الامامية في صناعة الافكار الملهمة للتغيير.
wagdik@yahoo.com