• ما أزالُ أتخارج، ولتوِّي، من وعكة (أو عَرْكة) مع ڤيروس كورونا. وكنتُ قبلها قد أتممت جرعتين من التطعيم ضده، وقبل شهرين أخذتُ الجرعة الثالثة المدعِّمة كذلك، ومع هذا أبى الڤيروس إلا أن (يصطنع) معي معركةً من مافيش !! كانت الأعراض، بفضل الله ولُطفِه، خفيفةً (ومعقولة)..رشح، وإحتقان بالحلق والأنف، وعُطاس، وسيلان مناخير شديد، بالذات في اليومين الأوليْن لظهور الأعراض، ولم أفقد شهيتي للأكل -إن وُجِد الأكل- كما لم أفقد أياً من حاستيْ (شمِّي ولا ذوقي) مع أنهما كانتا أصلاً (مش ولابد) ووجودهما زي قِلَّتو !!
• توقفتُ عن العمل فوراً، وإعتزلتُ الناس فوراً، وأستقْرَرْتُ في بيتي فوراً، (وقرْنَ في بيوتِكُن)، وجعلتُ أراقبُ نَفَسي ونَفْسي، وأتعهدهما بالرعاية والتوجيه (والمُراشاة)، وأشرب مزيداً من السوائل، وآكلُ جيداً، وكثيراً، (قال جيد قال) مع الإكثار من شُرب العصائر المحتوية على ڤايمين C !!
• بعد ستة أو سبعة أيام أعدتُ الفحصَ مجدداً، وكانت النتيجة سالبة، ولكني ما أزال أتعافى من الآثار المترتبة عن (العَرْكة) كالإرهاق، والميل للنوم المتطاول، والإحتقان بالأنف، ونوبات عُطاس متقطعة، وما يزالُ الصوتُ متهدجاً (وتخيناً)، ولكن، وبفضل الله، ما زالت الشهية جيدة (والشم والذوق ياهم ذاتم)..
• كنتُ قد كتبتُ مقالاً سابقاً في العام ٢٠١٨م عن الإنفلونزا، وعن مقدرة ڤيروسها على التحوَّر، وكان ذلك إبان إنتشار إنفلونزا الخنازير..(سأرفق رابطه في نهاية المقال) وفيه معلومات مفيدة..
• أما الآن، فأنا أعتقدُ -مثل كثيرين- وبإستصحاب ذات المقال، أن الموجة الحالية من جائحة كورونا تشبه في تحوراتها إلى حدٍّ كبير، التحورات التي تمر بها ڤيروسات الإنفلونزا بالضبط، كما أن أعراضها الحالية أصبحت تشبه، بطريقة متطابقة، أعراض الإنفلونزا تماماً.. وأعتقد، مثل كثيرين، أن ڤيروس الكورونا في تمحوره هذا، أصبح يضعف شيئاً فشيئاً إيذاناً بخروجه من الدنيا، بإذن الله، كأي جائحةٍ أخرى، أو أن الكورونا ستبقى لتتعايش معنا، ونتعايش معها، في النهاية، مثلها مثل الإنفلونزا تماماً !!
• كلُّنا نذكرُ (الضراوةَ) التي كان يهاجم بها الڤيروس، في بداية الجائحة، قبل سنتين، أنسجة الرئتين، ويعبث بالحويصلات الهوائية، ويمزقها تمزيقاً، ويترك الرئة، في النهاية، مهترئةً، ممزقةً، ومثقَّبةً كالغُربال، وعاجزةً تماماً عن إيصال ذرة أكسجين واحدة للجسم، فيحدث الفشل التنفسي، ويتلوه فشل الأعضاء المتعدد، ويصبح المريض المقدور عليه، ربما في أقل من إسبوعين، هامداً، وفاقداً لأسباب الحياة..وبعد مرور مدة هذه الطَّحنة المدمِّرة، التي قد تطول، أو تقصُر في معظم الأحوال، يختفي الڤيروس تاركاً وراءه جسداً واهناً آيلاً للموت، ينتظر خروج الروح منه في أي لحظة.. هكذا فقدنا أحباءنا وأصدقاءنا وزملاءنا، وفقد العالم أكثر من خمسة ملايين ونصف المليون نفس في الموجات الأولى تلك، وحتى حدوث هذه الموجة الراهنة التي يسببها المتحور الحالي omicron.. هكذا كانت الأعراض عندئذٍ، وإلى قبل عام تقريباً، وأما الآن فإن الأعراض السائدة عموماً فكما ذكرتُ، في غالبها خفيفةٌ جداً، وفي معظم الأحيان لا تأخذ مريضها إلى المستشفى، ولا تتسبب في وفاته، بفضل الله..
• وفي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها أصيب حتى الآن ما يقارب الخمسة وستين مليون شخص، وبلغ عدد الموتى فيها أكثر من ٨٧٠ ألفاً متقدمةً على كل دول العالم حتى على الهند التي يبلغ عدد سكانها أضعاف سكان أمريكا(سكان أمريكا ٣٥٠ مليون)!! أما في السودان، مع عدم دقة الإحصائيات، فيقولون إن الموتى بلغ عددهم أكثر من ثلاثة آلاف حتى الآن !!
• إنَّ جائحة كورونا ليست هي الجائحة الأشد فتكاً بالبشرية، ولقد سبقتها قبل قرن من الآن، بين عامي ١٩١٨م – ١٩١٩م جائحة الإنفلونزا الأسپانية التي قتلت في بعض التقديرات ما يقارب الخمسين مليون نفس، كأعظم موت جماعي تتعرض له البشرية في تاريخها الحديث، ولقد إنتشر ڤيروس تلك الجائحة، الذي يرجًَح أن منشأ إنتشاره (مدينة نيويورك الأمريكية ذاتها)، بطريقةٍ سريعة ومحيرة، وداهمة، كما فعل ڤيروس الكورونا بالضبط، وغطى الكون تماماً في شهور قليلة، حتى أنه أصاب مجتمعات بعيدة، ومعزولة، في أوكار ألاسكا الشمالية المتجمدة، التي بالكاد يصل إليها بشر، ومع هذا خرجت منه البشرية، وإختفى الڤيروس من الأرض في ظرف عامين !!
• كلنا نتذكر أنه بحلول منتصف يناير ٢٠٢٠م كانت حالات الوفيات المعلن عنها عالمياً، بسبب كورونا بضع عشرات فقط، ولكن في ١٠ نوڤمبر من العام نفسه كانت أعداد الوفيات قد تجاوزت المليون نفس، وبعد عام بالضبط، أي في منتصف يناير من العام ٢٠٢١م تجاوز العدد المليونين وفاة بعدة آلاف، وأما الآن، وفي منتصف يناير هذا من العام ٢٠٢٢م، بلغ عدد الوفيات في العالم أكثر من خمسة ملايين ونصف المليون نفس تماماً، ولكن، وبعدما كنا نفقد هنا في أمريكا ما بين ثلاثة ألى أربعة آلاف يومياً، أصبحت الوفيات بالمئات فقط في كل الدولة، وعالمياً أصبح العدد بالكاد يتجاوز العشرة آلاف نفس يومياً، مع أن أعداد المصابين يومياً عالٍ جداً، وأن معظم البشرية غير مطعمة، وبعض مجتمعاتها، ربما لم تسمع بالتطعيم أصلاً !!
• صحيح، يختلف ڤيروس الكورونا عن الڤيروس المسبب للإنفلونزا الإسپانية تماماً، خاصةً من حيث النوع (H1N1& CORONA) ومن حيث الفئات العمرية التي يصيبها، وغير ذلك، ولكنهما يتشابهان من حيث القتل الماحق والدمار الشامل المترتبين عن إنتشارهما، ولقد إختفى ڤيروس الإنفلونزا، وننتظر أن يتشابه معه آخيراً ڤيروس الكورونا في الطريقة التي إختفى بها من الكون بإذن الله..
• عندما أتأملُ في الطريقة الداهمة التي عايشناها، وإنتشرت بها الكورونا، وعندما رجعتُ وقرأتُ عن الإنفلونزا الأسپانية، وتاريخها وكيف أنتشر ڤيروسها بطريقة محيِّرة، تكوَّن لدىَّ تصوُّرٌ متخيَّل، أن الڤيروسين ربما إنتشرا وغطيا الكرة الأرضية مع حركة دوران الأرض حول نفسها، إذ يكون الڤيروس عالقاً في الهواء وتدور الأرض حول نفسها فينتشر على أي بقعةٍ منها تلامس سحابته، المعلقة حتى يغطيها جميعاً.. وهذا مجرد تخيل طبعاً، ولكن الشاهد في القول إنَّ ڤيروس الإنفلونزا الإسپانية، بعدما قتل ربما نصف سكان أوروبا وقتها، تحوَّر وضعُف وتلاشى، ونتأملُ الآن أن يختفي، بإذن الله، ڤيروس الكورونا بعدما بدأ يتحوَّر سريعاً، ويضعُف، ليتلاشى في مدةٍ مقاربة ومشابهة !!
ولكم تحية الصحة والعافية..
“The Spanish flu (1918-20): The global impact of the largest influenza pandemic in history – Our World in Data” https://ourworldindata.org/spanish-flu-largest-influenza-pandemic-in-history •••