تصرُّ السلطة الانقلابيَّة إصرارًا كبيرًا على المضي في غيها، وفرض الأمر الواقع، وحكم البلاد حتى لو راح الشعب كلهم ضحايا وشهداء.
الدكتاتوريون الحاليون ليسوا جددًأ، فهم استمرار للديكتاتور المخلوع، فقد كانوا زبانيته، ويده التي تبطش بالشعب في دارفور، وغيرها من مناطق السودان، وشهدوا وهم في السلطة وشاركوا في كل ما ارتكبه النظام البائد من مظالم ومجازر.
وعندما أعطاهم الشعب فرصة التكفير عما ارتكبوه في السابق من ممارسات غير إنسانية، أبوا إلا أن يضيعوا الفرصة، ويتشبثوا بحلم الحكم، مهما كلف الأمر من أرواح تزهق، وعجز يصيب الأبدان، وحزن يقيم في قلوب الأمهات والآباء والأبناء، حتى لم تعد هناك أسرة لم تنج من هذه المحرقة التي يقف عليها الانقلابيون بكل دأب وحرص.
إنَّ الموقف من الإعلام هو ما يظهر حقيقة أي صاحب سلطة، فإذا كان منفتحًا عليه، وحريصًا على أن يكون مجالاً لتبادل الرأي، وطرح الفكر بكل حرية ومن دون أي تقييد، فإنه يكون راشدًا، وقادرًا على الدفاع عن مواقفه وسياساته، وجريئًا في قبول الرأي الآخر، والاعتراف بالخطأ إذا وقع فيه، أما إذا كان مقيدًا للإعلام، ومشيطنًا له، ومحاربًا له بأي صورة من الصور، فإنه يكون من طينة الدكتاتوريين الذين لا يعلو صوت فوق صوتهم، ولا حقيقة إلا ما يراه.
والبرهان ورهطه من عينة أسوأ الدكتاتوريين، ولا أدل على ذلك من إصرارهم على عدم الإنصات لصوت الشارع، الذي ظل ولا يزال هادرًا أكثر من ثلاث سنوات، وليست له مطالب تعجيزية، وإنما هي حقوق مشروعة تتمثل في الحكم المدني الذي يقود البلاد، ويؤدي فيه كل مواطن الدور المنوط به، وفقًا لموقعه وقدراته.
إن إصرار الانقلابيين على قطع الإنترنت والاتصالات دليل على تبيت النية لممارسة الانتهاكات في حق الشباب الثائر، والتستر على مرتكبيها، وهذا ما حدث ويحدث، وقد توهموا أن منع الجزيرة مباشرة من ممارسة دورها يعني إخفاء الحقائق عن العالم.
وأوضحت المجازر التي ترتكب منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021م أن السلطة الانقلابيّة لن تتورع عن ارتكاب المزيد في سبيل أن تبقى، لأن سقوط أي شهيد بضيف صفحة إلى صحائفه السوداء، التي تجعل حبل المشنق حاضرًا في نومهم ويقظتهم، وما ارتكبوه أمس من قتل ممنهج يقف شاهدًا على دمويتهم، واستهانتهم بالأرواح، وقد أوصل ذلك الشيخ الذي انبرى مواجهًا البرهان في عزاء العميد علي بريمة –رحمه الله- صوت الشارع ونبضه، حين قال له: “إذا استمر هذا الوضع سيموت كثيرون.. اتق الله في نفسك وفي الشعب السوداني”.
ولكن بدلاً من أن يتقي الله ويفكر في هذا المأتم الذي أقامه في كل أنحاء الوطن، يواصل إعطاء أوامر القتل، ويعطي لمن يمارسون هذا القتل الحماية من الملاحقة والمحاكمة.
وهذا العالم الذي ينادي بالحوار في السودان، كان الأوجب عليه حماية شعب السودان من هذه الكارثة الإنسانية المرشحة للاستفحال وصولاً إلى الفوضى، إذا ظلّت هذه السلطة الانقلابيّة تمارس انتهاكاتها لكل القيم والمبادئ.
لقد أثبتت تجارب كل ما مضى أنَّ البرهان لا يهمه غير الكرسي، مهما كانت التضحيات، ولكن الشارع السوداني الذي استوعب دروس الشمولية وويلاتها لن يسمح له أن يهنأ بيوم واحد في الحكم، وسيظلّ متشبثًا بالحياة، وحتمًا سيستجيب القدر بإذن الله وحوله وقوته.