نورد في خاتمة هذه المقالات، ما جاء في بعض شعر الحقيبة من الفاظ إفرنجية كانت متداولة في ميدان كرة القدم إلى عهد قريب. وشاهدنا – هنا- قصيدة (الهلال) للشاعر عمر البنا والتي نظمها في الاشادة بالفريق الامدرماني المعروف. ألف البنا هذه القصيدة عام 1934م وتغنى بها فنان الحقيبة ولاعب الهلال الشهير عبدالكريم عبدالله مختار الذي لقبته امه بـ(كرومه) إعجابا بشخصية المندوب السامي البريطاني بمصر (اللورد كرومر) Lord Cromer، حين زار السودان 1922م فاستقبل بحفاوة من اهالي البلاد وزعمائها. وينبغي – هنا – ان نذكر بأن ذلك اللقب لم يكن تصغيرا لاسم (عبدالكريم) كما يتبادر إلى الذهن بدليل ان عمر البنا لم يكن ينادي عبدالكريم الا بـ (اللورد) وبدليل ان لفظ (Cromer) له صيغة في النطق الانجليزي تهمل حرف (r) وان اثبتته رسما! ونسبة لما حوته القصيدة من الفاظ كروية افرنجية ولما دلّ مضمونها العام علي معرفة الشاعر للفن الكروي، فقد رأيت أن آتي بنصها كاملا، ثم احصر ما جاء فيها من تلك الألفاظ.
قال عمر البنا: هلّ الهلال والأيام صفنلُو وضع تاريخ للسودان بفنَّو رياضي كل الاقطار بعرفنّو بوارق النصر بيصحبنّو ومنتخبات جيش ما بغلبنّو جملة (الأتيام) الأبنّو شافن فنّو تجنبنّو (فراوده) القول قاطعنُّو وطربوا مشجِّعنَّو المنتخبات الدعنّو مغلوبين صدو عنّو (الهاف باكات) لا مفر منُّو (باص التكتيك) متقاسِمنّو زي شكل مثلث راسمنو لعب الرف ما متعلِّمنو وصف (الباكات) شوفو كيفنّو اسود وعرينن والفنُّو دفاع فن ما متكلّفنّو وعلم (التكتيك) هم مألفنّو (القون) ثابت لو صادفنُّو جُلل محال ما يرجفنّو رياضي خطوطو محالفنو حيّر عقول الواصِفنو طلع جبار ما فاهمنو كل (الاتيام) خايفه منّو لو جُمعت جملة وهاجمنو من المحال يهزمنّو نيشان النصر الحاملنّو الغير في النوم ما ماملنُو الفن بمعنى محملنّو والعازل صبرو مكمِّلنو في هذا النص وردت الكلمات الإفرنجية الآتية: • الأتيام : جمع تيم (Team) وهو الفريق. • فراوده: ومفردها (Forward) وينطقها العامة (فروِد) بكسر الفاء وتسكين الراء وتعني المهاجم. • الهاف باك: (Half Back) أي لاعب خط الوسط المسمى بالظهير المساعد. • تكتيك: (Tactic) أي طريقة اللعب. • باص : (Pass) أي تمرير الكرة. • الباكات: جمع (Back) وهو المدافع او الظهير. • القون: ( Goal keeper) أي حارس المرمى. وهكذا يضيف عمر البنا ألفاظاً إفرنجية اكتسبت مكانة لارتباطها بلعبة شعبية هي الأشهر بين كل الألعاب الرياضية في السودان. خاتمة: بعد استعراضنا لتنوع الألفاظ في بعض اشعار الحقيبة، يبقى السؤال الذي طرحناه في مستهل هذه المقالات الثلاث: هل (رطن) شعراء الحقيبة؟ الاجابة الدقيقة على هذا السؤال هي أنهم لم (يرطنوا) وذلك لأن الألفاظ الافرنجية التي تناثرت في قصائدهم جاءت عفوية من خلال تواصل وتعامل بعضهم مع الإفرنج في دواوين الحكومة والأسواق والعلاقات الاجتماعية المحدودة، ومن خلال ما توفر لبعضهم من مفردات (أعجمية) استقوها مما تهيأ لهم من تعليم نظامي محدود أو من تلمذة صناعية أو عن طريق العمل في المرافق الحكومية والمشاريع الحديثة التي اقامتها الحكومة، أو مما طرأ على الحياة الاجتماعية الجديدة من أنشطة رياضية وحركة ثقافية وفنية في الأندية والجمعيات والمقاهي التي ارتبط وجودها وتنظيمها – إلى حد ما – بلغة السلطة الأجنبية. ورغم ذلك فإن تلك الألفاظ الإفرنجية كانت محدودة وصفويّة إذا قرنّاها بالكم الهائل من فصاحة وجزالة لغة الحقيبة التي تفهمها وتذوّقها الجمهور العريض دون ان تؤثر فيه تلك الألفاظ الصفوية المحدودة بل دون ان يشغل باله بأصلها وفصلها. هذا ما وقفت عليه من الألفاظ الإفرنجية التي دخلت عفواً على بعض شعر الحقيبة في مجالات مختلفة، وقد أردت بهذا البحث البسيط أن ألفت النظر إلى هذه الظاهرة التي قد تكون لها شواهد أخرى ونماذج لم أتوصل إليها و… فوق كل ذي علم عليم. aha1975@live.com