قرأت من قبل أن الحرب هي تسلية الزعماء الوحيدة التي يسمحون لأفراد الشعب بالمشاركة فيها، لطالما انها تقوم على قتل مجموعة من الأغراب الذين لا تشعر نحوهم بأي عداء ولو قابلتهم في ظروف أخرى لقدمت لهم العون أو طلبته منهم، ورفعت ثورة ديسمبر المجيدة شعار الحرية والسلام والعدالة لأن الحرب في السودان تسببت في الدمار والقتل والتشريد واراقة الدماء والدموع.
وجاءت اتفاقية سلام جوبا التي رحبت بها الثورة بالرغم من علاتها ونواقصها لأن الثورة كانت تحسب أن لا بديل للحرب إلا السلام.
ومن قبل تحدثنا أن السلام ليست شعارات ترفع أو خطابات تلقى في اروقة التفاوض، وانه يجب أن يكون واقعا يعيشه الإنسان الذي ذاق ويلات الحرب ويجده في داخل المدينة ويشعر به أمانا واطمئنانا في داره وفي بيته وقبل ذلك يجب أن يكون سلاما داخليا يسكن القلوب، لأن الذي لايعرف قيمة السلام والسماح والعفو ولاتهزه المشاعر الوطنية ولا يعرف قيمة الاخاء ويجد صعوبة في قبول الآخر، ولا يعرف معنى للوحدة والتعايش السلمي فيجب أن لا يكون سفيراً للسلام.
ودرجت قيادات الكفاح المسلح على اسلوب التهديد والابتزاز السياسي في كل المواقف الطبيعية والصعبة وحتى عندما يكون الوطن في أحلك ظروفه تجد أن هذه الحركات لا هم لها إلا مصالحها الذاتية وان القضية الوطنية العامة وهموم المواطن في السودان لا تعد شاغلاً يجد حيزاً في أفكارهم.
والمتابع لتصريحات قادة الحركات المسلحة يؤسفه ملياً اسلوب التهديد في كل بداية او ختام حديث او تصريح
وكان عضو مجلس السيادة رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس اعتبر في حديثه لبرنامج (كالآتي) بقناة النيل الأزرق عندما كان محور الحديث عن اتفاق الشرق أن إتفاق الشرق تمت شخصنته وان اي الغاء في إتفاقية جوبا سوف يقود البلاد إلى نتائج وخيمة.
وسبقته او جاءت بعده في ذات البرنامج تهديدات أكثر حدة من رئيس حركة تحرير السودان مني اركو مناوي الذي هدد بالعودة للحرب، في حال فض الشراكة او المساس باتفاق سلام جوبا وقالها مناوي صراحة (شراكتنا لو انفضت تعني حرب شاملة عشان كده احسن ماتتفض).
وبالأمس حددت الجبهة الثالثة تمازج، مهلة 24 ساعة، امام الحكومة في الخرطوم، لإيجاد حلول جذرية، وهددت بأن الخيارات ستكون أمامها مفتوحة والعواقب ستزداد و سيتحول إقليم دارفور إلى بؤرة صراع بسبب فئات تريد إقصاء مكون فعال و له شرعية دولية ذلك لأن إقصاء تمازج يعني إقصاء الشريط الحدودي.
ورفضت الحركة في بيان لها ما اعتبرته الإقصاء الممنهج الذي حال دون مشاركتها في وفد المجلس الأعلى المشترك للترتيبات الأمنية الذي عقد يوم أمس الأول بولاية شمال دارفور، وحذرت من مغبة تجاوز حركة تمازج و إدراج حقوقها ضمن حصة فئة إقصائية تظن أنها تملك بزمام الأمور و تسير مجتمع دارفور كما يحلو لها و هي لا تدري مآلات هذه التصرفات الصبيانية التي ستدخل الإقليم وأهله في انقسامات لن تتيح فرصة للوحدة و التنمية المستدامة).
كل هذا التهديد الذي اطلقته حركة تمازج بتحويل إقليم دارفور لبؤرة صراعات سببه فقط عدم مشاركتها ضمن الوفد الأعلى المشترك للترتيبات الأمنية الذي عقد بولاية شمال دارفور فالحركة كان لها الحق أن تطالب بجميع حقوقها بالطرق والاساليب المشروعة دون التلويح باشعال نار الصراع في دارفور ذلك الإقليم الذي لم يعش سلاماً لا في عهد تمرد قياداته ولا في عهد حكمهم وهم يشغلون مناصب سيادية ووزارية مرموقة، فمثل هذه التهديدات المستمرة تكشف أن السلام بُني وشُيّد على أرضية هشة من الثقة بين الحكومة وحركات الكفاح المسلح.
وهذا التململ وسط الحركات يبرهن أن ماتم الاتفاق عليه لا علاقة له بالقضية الدارفورية ولا بإنسان دارفور الذي مازال يعاني كما أنه يكشف سوءات الاتفاقية الصورية التي اهتم المكون العسكري فيها بحشد النجوم وسلط عليها الاضواء واهتم بمظهرها وغفل وفشل في جوهرها لذلك أن هذه الإتفاقية أن لم تكن سلماً للارتقاء الى فضاءات السلام الحقيقي فانها ستكون شرارة للإشتعال الذي سيقضي على ماتبقى.
طيف أخير
السياسة حرب باردة والحرب سياسة ساخنة