الزميلات والزملاء والصديقات الأصدقاء
وأهلنا في الولاية الشمالية وتروس الشمال رجال الحارة..
نحن بخير .. فقد نجونا و”الزين” من حيث لا يتوقع النجاة..
وخرج الزين بأضلع مكسورة وترقوة.. وجراح بالرأس والوجه.. أما أنا فعمر الشقي بقي.. لم أصب سوى بكدمات..!
فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.. انقلبت العربة التي كنت أقودها.. وفقدت السيطرة عليها.. فألقت الزين خارجها.. هي لحظة لا أدري كيف أصفها.. أفقت من صدمة الحادث ثواني معدودات توقف خلالها عقلي قبل أن يعي ما حدث.. فلم أجد الزين داخل العربة.. فظننت أنه سقط تحت العربة.. وبدأت أصرخ الزين.. الزين.. وأنا أفك حزام الأمان.. حاولت فتح باب السائق لم أستطع.. وجدت باب الراكب مفتوحا.. خرجت منه وأنا مذهولا لأجد الزين ملقى على الأرض ودمه يسيل وفاقد للوعي تماما.. ويصدر عنه شخير عالي.. ولا يستطيع التنفس.. أجريت له عمليه التنفس الصناعي فتح عينية.. ثم تحركت للطريق وأنا أؤشر لأصحاب السيارات توقفت عربة ولحقتها أخرى.. فساعدونا بكل شهامه أهلنا في الشمال على إيصاله لأقرب ارتكاز طوارئ.. لن أنسى ما حييت تلك اللحظات التي كان الزين يرقد في حجري وهو يقول: “لو حصل أمر الله.. كلم أهلي وزوجتي والزملاء والزميلات.. قول ليهم أنا عافي منهم وأسألهم لي العفو”.. في تلك اللحظة ظننت أنه لن يعيش.. وإنها النهاية وأني سأكون قد تسببت في إزهاق روح.. ناهيك أن الروح التي ذهبت هي روح صديق وزميل عزيز.. تجاورت معه في العمل.. وعاشرته طويل.. وفي لحظة إلهام خطر على بالي أن ألقنه الشهادة.. فرددها معي أكثر من مرة.. فأيقنت أنه ذاهب وإني أصبحت قاتلاً تسبب في قتل عزيز عليه، ولكم أن تصفوا ما كنت أشعر به تلك اللحظة العصيبة..!
في أول ارتكاز مرور سريع نقلناه لإحدي سيارات الدورية إلى مستشفى التضامن في منطقة “قنتي”.. الكادر الطبي برغم محدودية إمكانياته بذل ما وسعه.. لكنه وبدون أي أجهزة مساعدة طمأنني د. أحمد بأن الرأس سليم النخاع الشوكي سليم.. وفي الأثناء زارنا وفد كبير من أهلنا “الهواوير ” وقفوا معنا وقفة لن أنساها.. بل أن أحدهم أخذني جانبا وقال لي عرباتنا وشبابنا جاهزين لأي مساعدة ولو محتاجين قروش نحن جاهزين.. ثم أعدوا عربة لنقله لمستشفى مروي.. لكن قرار الطبيب أن ننقله بسيارة إسعاف للخرطوم.. فعلوا كل هذا دون طلب ودون سابق معرفة.. حين سألتهم من هم ردوا بصوت واحد نحن أهلكم “الهواوير” لم يذكر أحدهم إسمه.. وظلوا معنا حتى تحركنا.. فأي شهامة وأي كرم وأي استعداد للنجدة عند هؤلاء الرجال.. وإن أنسى لا انسى السيدات المرافقات للمرضى في المستشفى فقد أدركن حالتي وسارعن لتطييب خاطري.. واحدة تسقيني الماء والثانية والثالثة تظن أنني مذهول فتقدم لي القهوة والرابعة تعد كباية شاي.. يا الله أي ناس هؤلاء..؟!
ثم جاءنا وفد كبير من “تروس الشمال” بقيادة الشريف الحامدابي وقفوا معنا وقفة رجل واحد.. أعدوا الإسعاف وأبدوا استعدادهم لأي شئ.. كنا ذاهبين لمساندتهم على قضيتهم العادلة وجدناهم قد أعانونا.. لن أستطيع شكرهم..!
ولن أنسى رجال الشرطة في المنطقة فقد محوا الصورة السالبة للشرطة في ذاكرتي.. أبلغوا المتحري ليعد أوراقه ويلتقينا في المستشفى ليحقق معي لإكمال الإجراءات.. وبالفعل فعلوا كل شئ لمساعدتنا.. بل وذهبوا للعربة وجمعوا كل مقتنياتنا والأجهزة التي يمكن سرقتها منها وجمعوها في كرتونة وسلموها لنا كاملة بدون نقصان.. قدموا لنا الانقاذ والعون والحراسة.. وهذه شرطة السودان التي نود.. شكرا لهم لولاهم ما كنا نستطيع..!
أما وقفة الزملاء فهذا شئ آخر.. لن أستطيع أن أفي به كتابة.. شكرا لكم جميعا دون فرز.. ومدخورين دوما للحارة..!